للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لامع الجلد لمعان ريش الببغاء ففي أي بقعةٍ من القفر يختفي هذا الأسد، إن لم يكن له ملجأ إلا الصخر الاجرد، أو الرمل القاحل؟ أفلا تستوقف ألوانه الزاهية الصيادين الذين يمرون به؟ أو لا يضحى لهم غنيمةً باردة؟ هذا من جهة دفع الخطر عن ذاته وأما إذا طلب الرزق لنفسه، فمهاجمته لفريسته تكون صعبة جدا، لأنها تراه حينئذٍ فتهرب منه لكونه عدوها.

فبوحدة اللون يتيسر للأسد أن يباغت الغزالة أو البقرة، ويهجم عليها على حين غرة منها، وبهذه الوسيلة نفسها تختفي كل منهما عن عيني عدوها وراء صخرة من الصخور، ويختلط لونهما اختلاطاً تاماً، فيمر على مقربةٍ منها ولا يشعر بها.

لننتقل من هاجرة دائرة الانقلاب، إلى شتاء الأقطاب القارس، تر أن المنظر يخلف اختلافاً بيناً عما سبق، فلا تشاهد ثم، إلا سهولاً بعيدة الأكناف، مغطاة بالثلوج، قد تراكم عليها الجليد، واشتد فيها البرد، وساد عليها السكوت؛ لا بل تبقى أرضها وبحارها مدفونة مدة أشهر مسجاة بكفن ابيض. فحيوانات هذه الأرجاء تتزمل برداء يقيها شر الثلوج، ولون ذاك الرداء ابيض ناصع كالثلج فتذهب وتؤوب راخية البال لا تخشى طارقاً في تلك البيئة التي يشبها أدنى لونٍ، ويهتك سر وجود سكانها للعيان.

لنتوغل الآن في الغابات، وندخل احراج أميركا، وأزوار الهند المشتبكة الأشجار. فماذا نرى؟ نرى جماعات من الشجر فيها الكبيرة والصغيرة، القديمة والحديثة، فيها النباتات المتشبثة بأخواتها تلتف حول الأغصان كأنها الأفعوان وكثيراً من الخنشار المتشجر. فجميع تلك البقاع هي عبارة عن قطعةٍ واحدة من النباتات الخضراء الناضرة، والأزهار البديعة، لكنها وعرة المسلك، لا يمكن أن يمر بها الإنسان إلا بكل عناء أو بشق النفس، لأنه لا يوجد فيها مخرف. فياله من منظرٍ بديع يخلب الألباب! ومما يزيده حسناً على حسنٍ، نفوذ أشعة الشمس بين الأوراق، فتبين تلك الأمكنة كأنها منورة بنورٍ صنعى، تقاطعها الاظلال والأشعة. فهناك تختفي حيوانات رائعة لها في ذلك التواري غاية، تعود عليها بالنفع، لحفظ كيانها وقيام وجودها.

<<  <  ج: ص:  >  >>