للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في المياه وتموجها فيها تؤثر في الحيوانات البحرية تأثيراً عظيما. ولهذا نراه في حركة دائمة يتبدل لونها ويتغير شكلها تغيراً فجائيا ومضطرباً كالوسط الذي تسبح فيه. مثال ذلك أن القريدس وذا المنشار لا يتميزان عن المياه الراكدة إلا بكل جهد، لأن لونهما شفاف كالزجاج الشديد النقاوة، وليس فيهما لون أو بقعة تخالف ما يجاورهما فيظهر وجودهما للعيان. أما السرطان البحري الذي يعيش في السواحل، فهو على خلاف ذلك، فأنه يتلون بألوان مختلفة يتوارى بها عن الأبصار فيختلط ببيئته ويفوز

بالأمان. والبقع الموجودة على قشرته تكون سمراء أو غبراء أو حمراء بموجب لون حبوب الرمل المختلفة التي تحيط به. ومن الغريب أنه إذا وجد في غدير ماؤه ضحل أسرع وانحدر إلى قعره وأثار الرمل حواليه حتى يتغطى به فيتوارى حينئذٍ عن الأبصار بتاتا. وإذا انحدرت الأسماك المفلطحة، كسمك موسى والكنعد وغيرهما إلى قعر الماء، لا تبطئ أن تحرك زعانفها بكل لطافة، وتلقي عنها الرمل وتبقى هناك، كأنها مدفونة بجملتها، ولا يظهر منها إلا أرؤسها وأعينها. ويمكننا أن نقف على مثل هذا المشهد الغريب أن أنعمنا النظر في إحدى محافظ الأسماك التي تحبس فيها للفرجة وللاطلاع على أخلاقها وعوائدها. هذا وكل ما ذكرناه عن مهارة الأسماك ولباقتها في التواري عن الأبصار لا يعد شيئاً بازاء الغريزة التي فطرتها عليها الطبيعة، أي أنها إذا عامت على وجه الماء كان لونها أقتم أو أزرق أو اربد؛ وإذا بلغت القعر أصفر فجأةً. وهي تساق إلى هذا التلون وإلى مطابقتها للون الرمل الذي تستقر فيه بفعل غريزتها. وإذا تغيرت ألوانها صعب تمييزها عما يجاورها إلا على من لا تفوته حيلة أو تطور أياً كان.

وما قلناه عن الوسائل التي تتذرع بها الحيوانات المائية تشبهاً بالجوار لتختفي عن أعين المراقبين، يصدق أيضاً في الأخطبوط فأنه إذا قام على صخرة دكناء أزرق لونه وقلص ذراعيه وأحنى ظهره فأشبه بخدعته هذه، صخرة قديمة الأيام قد أكل الدهر عليها وشرب. ولا يطيش سهمنا إن لقبناه بحرباء البحر إذ أنه يبدل لونه الأزرق الكمد بسمرةٍ شديدةٍ ويحاكي لون المياه الكدرة على حد ما يتلون الحرباء في البر.

يوسف رزق الله غنيمة

<<  <  ج: ص:  >  >>