للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - تضاد الليل والنهار

كما أن ألوان الحيوانات تختلف باختلاف الاقليم؛ فلاختلاف المناخ والنور والظلام اليد الطولى في منظر الحيوانات. كيف لا والتضاد الدائم الموجود بين النور والظلام ظاهر في

كل الموجودات من حي وجامد. فللطبيعة لوحان: الواحد، لامع مبهج تظهر عليه سيماء السرور والابهة، وهو لحيوانات النهار المزدانة بألوان زاهية. واللوح الثاني، مصمت محزن يقبض القلب ويكرب النفس وهو لحيوانات الليل والغسق.

أن ألون حيوانات النهار لامعة لمعان نور الشمس، كالفراش التي يتبعها الأولاد في المروج، وكطيور المناطق الحارة البديعة المزينة تزييناً عجيباً فتاناً، تبهج ألوانها الناظر، وتسر الخاطر؛ ويصدق أن يقال فيها أنها حلي الطبيعة. أما حيوانات الليل فهي متردية بلباسٍ حزين يوافق ظروفها، ويناسب أخلاقها، ورداؤها رداء الظلام والسكون لونه ارمد أو أطلس. تراها ساكنة حزينة كئيبة قاتمة اللون. ويكفينا أن نذكر الضبع التي جلدها اطلس، وشعرها خشن، ومنظرها خداع، كل ذلك دلائل باهرة على أخلاق المكر والغش الموجودة فيها.

ومن حيوانات الغسق الخفاش ولونه اصحم. وما لنا وهذا الإسهاب الممل فأن طيور الليل اجمعها تظهر لنا مشؤومة الطالع، كالبوم، والخبل، والهام، ومثلها أبو الهول. أننا نكره هذه الحيوانات لما في لونها من لون الحداد ولكن ما الحيلة، وهي لها احسن واقٍ تمكنها من أن تطلب رزقها راخية البال لاختلاط لونها بلون السماء وتصطاد وترتزق بدون أن يداهمها خطر أو يهاجمها عدو؟

٤ - في أعماق البحار - بين السراب والماء

أن هذا الوفاق المدهش بين الكائن ومحيطه يشاهد حتى في أعماق المياه، وإن قلنا أنه يبلغ اشده هناك لما أخطأنا المرمى، لأن شفوف الماء الأزرق، واختلاف تركيب قعور البحار والأنهار، التي تكون تارة رملية، وطوراً حجرية، والتغيرات الفجائية الحاصلة بين الظل والنور، وانعكاسات الأشعة

<<  <  ج: ص:  >  >>