الفائدة كان في ما سلف في زوايا النسيان قد انتشر اليوم بفضل الطباعة وتناولته الأيدي واستنارت الأمم بنبراسهِ، وكم من كتب موسوعات العلوم كانت في ما سبق باهضة الأثمان، لا يتمكن اقتناؤها إلا المثرون والملوك، فكان الفقير يتحسر على رؤيتها ويذوب شوقاً إليها فلا يمكنه شراؤها لقلة ما في يده، وكم من أرباب الذكاء والدهاء لو كان في أزمانهم من الوسائل التي تنشر أفكارهم وتبث آراءَهم بين الأمم والشعوب لخدموا المجتمع البشري خدمة ظهرت فوائدها، واقتطفت ثمراتها، وكم من علماء أعلام وأساتذة فخام، وباحثين وأطباء وبلغاء وفصحاء وملوك فاتحين، اندرست آثارهم، وغابت عنا أخبارهم بضياع دفاترهم ودواوين أخبارهم، لخلو الطباعة في هاتيك الأزمنة الغابرة لتنشرها بين الأقوام وبقي مجتمعنا اليوم محروماً من الوقوف على سيرهم وأديانهم ومدنيتهم إلا شيئاً طفيفاً استخرجه الباحثون من بين القبور في بلاد الفراعنة، وفي كهوف الجبال في فنيقية وفارس، ومن بين الخرائب في بابل ونينوى، فما هذه المدنية التي فضلت فيها قرننا الحاضر القرون الغابرة، وما هذه الكتب المفيدة والأسفار الكبيرة، التي حوت كل فكر سامٍ وعلم جليل، ورأي ثاقب إلا ثمرة من ثمرات المطابع وما سر هذه الحياة وعلة هذه المدنية التي أبهرت العقول، بل ما هذه النهضات الأدبية، والاجتماعية، والاخلاقية، والسياسية التي نراها كل يوم بين الشعوب إلا وهي نتيجة ذلك المخترع العظيم لذاك الاختراع الجليل.
٢ - اختراع فن الطباعة
المشهور أن أول من اخترع فن الطباعة، وأذاعه بين الأمم والشعوب