فلما تأجج صدرهما عطشاً وأخذا يتلعلعان على نحر واحد من الإبل في وسط تلك الرمال المتوهجة المتقدة وشرب الماء الذي يجدانه في معدته. ولما فعلا ما نويا خاب مسعاهما إذ لم يجدا فيها قطرة ماء.
فقال حينئذٍ مبارك لعبده: وأسواتاه! هل أني أخذتك إلى هنا لأميتك. فلقد أحببت نفسي فوق ما يتصوره كل عاقل. ولقد غررت بنفسك على غير جدوى. وزد على ذلك أني اقر باني قترت على عيالي تقتيراً ذميما استنزل على كل البلايا وصبها على صباً. فهل من بعد هذا كله أتلف روحك وأكون أنا دائماً ذلك الظلوم الغشوم بعينه وأنت لا تتشكى ولا تتظلم ولا تتضجر بل تتبعني بكل وداعة اتباع الفرار لامه. بل ولا تلومني على شيء حينما لا أقابل إحسانك بحسنة من الحسنات.
فقال له مالك: مالك يا سيدي ولم هذه الوساوس. وكيف لا اتبعك يا مولاي إلى القبر. ألم أكل من خبزك وملحك واشرب من ماءك ولبنك. ألم أتتنعم بالطيبات أيام السعد فلم لا أذوق الخبيثات يوم النحس؟ وكل أملي أن أرى سيدي يفوز بالنجاة من هذه المفازة الغائلة وان يستعيدني ربي إليه ويضم ما بقي من أيام حياتي إلى أيامك لتعود إلى عيالك قرير العين على الطائر الميمون. وأني اطلب هذا إلى ربي لأني بدون أهل وولد. وأما أنت وسندي فان ذويك ينتظرونك على أحر من جمر الغضا.
وما نطق مالك بهذا الكلام إلا وخر مغشياً عليه. فلما رآه شيده اخذ يتلوى من الألم ويتحوى ثم ركع ساجداً واخذ يبتهل إلى الله ويقول: اللهم أطلق روحي من سجنها وأمتني في هذه البادية لأني لم اكن أهلاً