لا تلقى منذ تلك النعم والآلاء وها أنا ثقل أوزاري يرهقني فلا حق
لي أن أعيش بعد هذا فدونك نفسي، دونك نفسي!
وملا أتم كلامه خارت قواه واخذ ينتحب انتحابا.
ومضى على هذه الحالة هنيهة من الزمان ثم تألقت غرته وبرقت أساريره وزالت غضون جبينه فابتسم عن ثغر كالأقحوان واخذ يتسع ويتنصت. وبينما كان قد الصق أذنه. . . وما زال يصغي له حتى تخيل له انه يسمع دوياً، وهل الدوي من اثر الجوع أم من اضطراب في دماغه لآفة أصيب بها؟. . . وبعد التدقيق والتثبت تحقق أن لا وهم هناك وان تحت الأرض خرير ماء يتدفق من عين تزارة فهرول متتبعاً ذلك الهدير وإذا به أمام عين تنفجر زلالاً نميراً بل كوثراً وسلسبيلا فقام ورفع يديه وأهل بذكر الله. وقبل أن يبل صداه فكر بوصيفه مالك الذي بقي صريعاً على الأرض فملاء قدحاً من هذا الماء الزلال واخذ يسقيه منه جرعة بعد جرعة بعد أن بلل صدغيه وشفتيه حتى أفاق. ثم قال له: (لست يا مالك من الآن وصاعدا عبدا لي بل رفيقا. فان عودتك إلى الحياة هي بمنزلة تحرير لك فتعال واشكر الله معي على انه أنقذنا من هذا الموت الزؤام.
فذهب كلاهما إلى حافة العين وكرعا منها أنفاساً ثم أوردا ابلهما فشربت حتى رويت. وحينئذٍ فتحا مزاودهما واكلا هنيئاً مرئياً وحمدا الله على هذه المنة التي لم يتوقعاها. ثم قال الملك لمبارك. بقي علينا الآن أن نبحث عن طريق التي تؤدي بنا إلى منف.