نرى جلياً أن أهل بابل قد استمدوا جل معارفهم إن لم نقل كلها من سكان الخليج العجمي المندرس الربوع المهجور الشواطئ التي نطأها الآن غير مكترثين بها وقد كانت في عصر من العصور الخوالي
مصدر حضارة البشر ومنشأ مدنيتهم فلما أخذ الإنسان يتدرج في معارج العمران هجرها وشرع يطوف في طول البلاد وعرضها ومنذ ذاك الحين أخذ ظل عزها يتقلص رويداً رويدا حتى أصبحت ديارها كما نعاينها الآن بلاقع خالية من آثار التمدن. أما سبب تقدم أهلها وسموهم على غيرهم في ذلك الزمان فهو على ما أظن موقعهم الطبيعي التجاري الذي دفعهم إلى أن يخوضوا غمار المخاطر ويحلقوا في سماء المجد والعرفان والسؤدد ومن هذا القطر نزح أيضاً شعوب وقبائل عديدة راقية جداً منها الطورانيون المذكورون في كتاب العهد القديم باسم الكنعانيين فأنهم اجتازوا بلاد العرب ودخلوا سوريا وأسسوا فيها مدينتي صور وصيداء.
وقد أخبرنا هيرودوتس المؤرخ اليوناني الشهير أنه زار صوراً وتفقد معالمها وجالس شيوخها وخاطب كهنتها في أمر بنائها فأجابوه أن هيكلهم قد بني قبل زيارته إياها بألفين وثلاثمائة سنة وبعد أن برح الطورانيون