للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تتم المهزلة على وجهها الأكمل إلا إذا وُضعتْ لنياشين رجال الدين أسماء دينية وعناوين فقهية، لمعان يتفاضلون فيها؟ كنيشان (إطالة الغرة والتحجيل) ونيشان (كثرة الخطى إلى المساجد)، ونيشان (التهجير للجمعة)، ونيشان (الطمأنينة والاعتدال)، ونيشان (وإن تشاح متساوون)، وتختم القائمة بشيء خاص بأمثال العاصمي كنيشان (وقبل خبر الواحد)، ونيشان (واشترك طارد مع ذي حبالة).

...

يا قوم: إن هذه الحكومة تقدّم الارتياد، على الاصطياد؛ وقد ارتادت سلفكم القريب، فوجدتهم أصلب منكم عودًا، وأعلى منكم همة، وأوفر حظًّا من الشجاعة، لأنهم كانوا على بقية من إيمان، وعلى فضلة من شهامة، وعلى شيء من الاعتزاز بالشرف الديني، وعلى نسبة ما من القرب من الله، والاتصال بالأمة، فحماهم ذلك كله من تأثير سحرها واستهوائها. وإن هذه الحكومة تقدم التجريب على التخريب، وقد جربتكم فوجدت منكم جدارًا متداعيًا للسقوط، فما أقامته بل خرّبته، لأنه لم يكن لغلامين يتيمين في المدينة، ولا كان تحته كنز لهما، ولا كانت هي تنظر بعين صاحب موسى ...

وإن وسمها لكم بالنياشين، يعرّ ويشين، لأنكم- كما تزعمون- رجالُ دين، لا رجالَ ميادين، وأصحاب نسبة لها شَان، أعلى من النيشان، فإن كانت هذه النياشين مجازاة على الصلاة، فجزاء الصلاة على الله، وإن كانت لنفع في الدنيا، فالدنانير أنفع لكم من الزنانير.

إن أمّتكم ما زالت على بقية من عقل تُميز بها الأشياء، وعلى أساس من دين تَزنُ به العمل والثواب، وفهم تُدرك به الخطأ والصواب؛ وإنها لا تفهم هذه المكافآت إلا أنها على أعمال- غير الدين- أنتم لها عاملون، فهل أنتم عاملون بما يراد منكم، ثم بما يراد بكم؟ أم أنتم لا تبصرون؟

لو كنتم تحملون سمة الآثار التاريخية، وكان استبقاءُ هذه الحكومة عليكم في معنى المحافظة على التحف، لكان ذلك أشرف لكم، لأن في هذا النوع من المحافظة احترامًا للتاريخ، وإجلالًا للقديم، ولكن في احتفاظ هذه الحكومة بكم كل معاني الاحتقار لكم ولدينكم ولماضيكم، وفيه كلّ معاني التسفيه لأمّتكم، وفيه- مع ذلك- سدٌّ لباب الحرية الدينية، وأنتم السداد.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>