للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبمثل تلك المعاملة عامل اليهودية في جميع الأقطار التي بسط فيها ظله، ونشر فيها عدله وفضله، عاملها بالحسنى، وحفظ فيها رحم إبراهيم، وأخوة موسى، فكانت الأقطار الإسلامية مأرزًا تأرز إليه اليهودية كلما مسّها ضيم من المسيحية؛ واليهود كلما انفجر عليهم تعضب من المسيحيين، فلا تجد ولا يجدون إلا الظل الظليل، والملجأ والمقيل، كل ذلك لأن الإسلام- مع نسخه للأديان، ومع اعتباره أن البشرية لا يصلحها إلا دين واحد- خصّ السماوية منها بالاعتبار، وخصّ أهلها بأحكام تقرّبهم من المسلم، وسماهم أهل الكتاب، تنويهًا بالعلم وإرشادًا إليه.

...

ودالت دولة الإسلام! ... وزالت قوّة المسلمين! ... ووفدتْ على أوطانهم وافدة الاستعمار ... وفتح المسلمون أعينهم على السلاح، وآذانهم على قعقعته، فإذا اليهودية التي حموها بالأمس، والمسيحية التي أحسنوا إليها بالأمس، من عداد الأسلحة المختارة لحرب الإسلام والمسلمين ... والله أكبر.

...

لو أن المسيحية كانت تسير برشد وبصيرة، وتجري على شيء من بقايا هدي المسيح، لاتخذت من الإسلام صديقًا لا عدوًّا، وحليفًا لا منابذًا، ولو كانت على شيء من الوفاء وحفظ الجميل لذكرت له مواقفه في الإبقاء عليها، وفي تحريرها من سلطة المستبدين من ملوكها، وقد كان من القوّة بحيث يستطيع محوها من دياره، ولو ذكرت ذلك لأرضته في جميع الأقطار بإعانته على التحرير في الجزائر، ولو فعلت ذلك لخدمت مصلحتها قبل مصلحة الإسلام، ولكن روحانية عيسى جفّت ... ولكن موازين الأحلام خفّت ... ولكن مغريات الاستعمار حفت ... فأصبح دين المسيح خادمًا للاستعمار، وأصبح أصحابه في غفلة يعمهون، لا يدرون أن هذا الاستعمار من عمل الشيطان ومن أعداء المسيح، وأنه يستخدم المسيحية لهدم الأديان، ثم يعود عليها هي فيهدمها، وإن هذا لهو الحق المبين.

تقف المسيحية في الجزائر من عمل حكومتها في استعباد الإسلام، وقفة المتفرج في الظاهر، ووقفة المعين للحكومة في الباطن، فهل يهنؤها أن تكون هي حرة طليقة، وأن يكون الإسلام في سلاسل الحكومة وأغلالها؟

إن الطليق الذي لا يمدّ يده لإنقاذ الأسير، وهو قادر على إنقاذه، يوسم بواحدة من اثنتين: إما أنه راض مغتبط، وإما أنه شامت متشفّ، ففي أية منزلة تضع المسيحية نفسها

<<  <  ج: ص:  >  >>