للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمال الأيام، وأبقى العلماء تلك الأسفار الكريمة التي هي عطر التاريخ وأزهاره، وأبقى الأغنياء هذه المعاقلَ الباذخة التي هي بيوت الله.

...

والدين المظلوم في زماننا هو الإسلام في الجزائر: مظلوم من أهله، إذ لم يدافعوا عنه، ولم يأخذوا له بحقه من ظالمه، ومظلوم من هذه الحكومة ذات الألوان التي تحكم الجزائر بما تمليه القوّة، لا بما يُوحيه الحق والعدل، وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة، وأشنع غضاضة؛ ولا نتحدث عن الغابرين الذين فرطوا في جنب دينهم حتى أضاعوه من أيديهم فأضاعوا الرشد، ورضوا بالحجر، كمن أضاع بالسفه أرضه، وقنع بأن يبقى فيها أجيرًا؛ لا نتحدث عن هؤلاء الذين أضاعوا التراث، وتركونا نحاول انتزاعه من بين الأنياب والبراثن فهم أمّة خلت: إلى الله إيابها، وعليه حسابها.

ولكن نتحدث عن جمعية العلماء وعصرها وأهل عصرها، بعد ما تجلّت الحقائق، وزالت حجب الغفلة، ودنت الحقوق من طالبيها، وخالط حب الحرية العامة شغاف القلوب، وأصبحت أنشودة العصر، ونشيدة السود والحمر.

أما جمعية العلماء فلم تنم عن حق من حقوق الإسلام، ولم تفرط في قلامة ظفر منها، بل قامت بواجبات الدفاع عنه في ثلاثة ميادين في وقت واحد:

دافعت عنه في الميدان الخارجي بما ردّت من شُبه الطاعنين، وكفكفت من غلواء المبشّرين، وبما أقامت من حصون في وجوه الملحدين، وما منهم إلا من يريد أن يطفئ نوره ويقطع ظهوره.

ودافعتْ عنه في الميدان الخاص بالحكومة الجزائرية في قضية (فصل الدين عن الحكومة) فقد تناولتْ هذه القضية بالشرح والتحليل منذ عشرين سنة خلتْ، وتناولها هذا القلمُ بالبيان والتدليل من ثلاث سنوات، ولم تهن لها عزيمة ولا خارت لها قوّة في المطالبة، ولم يخدعها وعد، ولا ردّها وعيد عن تقبيح سلوك الحكومة وموقفها من هذه القضية، ولا رَمتها المطاولة بالملل، الذي يرمي العاملين بالفشل، بل ما زادتها المطاولة إلا مراسًا وإقدامًا، لعلمها بأن العاقبة للمتّقين، وأن الله مع الصابرين العاملين المثابرين، وقد مرّت عليها ثلاث سنوات متوالية وهي من القضية في عمل دائم وقول مستمر، وسيل من الكتابة منهمر، فلا هي سكتتْ، ولا الحكومة نطقتْ، ومن البلية خطاب من لا يجيب.

ودافعتْ عنه في الميدان الداخلي، بينها وبين قومها وأبناء ملّتها، حتى علم الجاهل واهتدى الضال، وفاء إلى الرشد الغوي؛ وسيعلم المتمادون على العناد أننا محضنا النصح،

<<  <  ج: ص:  >  >>