للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدين النصيحة، وأننا وفينا، والدين أمانة، وأن الذي أوجب علينا النصح، أوجب عليهم الانتصاح، وقد قمنا بالواجب، فهلّا قاموا به كما قمنا؟ وهلّا فاءوا إلى الحق ورجعوا إلى كلمة سواء بيننا وبينهم أن نتعاون على نصر ديننا، وإنقاذه من اليد الغاصبة! وسيعلمون جميعًا قيمة أعمالنا ونصائحنا يومَ ترفع الحكومة يدها عن معابدنا وشعائرنا وأوقافنا، وتسدل الستار عن هذه البوارق المعشية، من الوظائف والألقاب والنياشين، فيجد المسلم نفسه معتزًّا بالله، قويًّا بإيمانه، أهلًا لما أهله قومه، عامر الباطن بالشرف يلبس المملوكَ لا المستعار، ويومئذ يستيقنون أن هذه الحكومة كانت تغري بيننا العداوة والبغضاء لمصلحتها لا لمصلحتنا جميعًا، ولا لمصلحة فريق، وأنها تعد وتمني وما تعد إلا غرورًا.

ولو أن إخواننا أنصفوا الحق وأنصفونا لكان حظنا منهم الإعانة والتنشيط على هذا الجهد الذي نبذله، وهذا الجهاد الذي نقوم به، فإن لم يكن هذا فعدم الوقوف في صف الحكومة، وهو أضعف الإيمان.

ولو ذهبنا نصفي الحساب مع هؤلاء الإخوان لكانت الفذلكة هكذا:

لا ذنب لنا عندهم إلا كلمة الحق نقولها صريحة فتشرح وتجرح، مجلجلة فتصك وتصخ، موجّهة إلى المبادئ والمعاني، فيتصايح الأشخاص ويتظلمون؛ وما ذنبنا إذا كانت كلمة الحق هي كلمة الله لا كلمتنا ومن عند الله لا من عندنا؟ وما ذنبنا إذا كان الحكم الذي نحكمه هو حكم محمد بن عبد الله؟ بل ما ذنبنا إذا رضي بعض الأشخاص أن يكون تفسيرًا لتلك المبادئ ودريئة لوقاية الخصم؟!

أمن الحق أن يكون التصرف في ديننا بجميع أركانه موكولًا إلى غيرنا فنسكت عنه ثم نرتقي إلى أسفل فنعينه على ذلك؟ أمن البرّ بأمّتكم أن تسجّلوا عليها السفه والعجز حتى في أخصّ مميزاتها؟ أمن الشرف أن ترضوا لدينكم ولأمّتكم بهذه المهانة؟ أمن كرامة الموظف الديني أن يكون تابعًا لحكومة لائكية، ومسخرًا لشركاء متشاكسين؟ إن هذه- والله- هي الدنية، التي أباها عمر يوم الحديبية.

وتتم الفذلكة بأن لا ذنب لإخواننا عندنا إلا لشيء واحد، وهو هذا التهافت على مغريات الحكومة المباشرة وغير المباشرة، وهذا الانخداع بمكايدها الظاهرة والمضمرة، وهذا التسليم المطلق لها في أمور الدين.

احذروا- يا قوم- أن يكتب لكم التاريخ سيئة تأكل جميع حسناتكم، وهي: أننا نريد تحرير الدين وأنكم تريدون بقاءه في العبودية ...

***

<<  <  ج: ص:  >  >>