للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم، ومن يدفع ثمنها طاعة لهم، ورجوعًا في الدين إليهم، وكيدًا لقومه وإعانة عليهم، وتمكينًا لنفوذهم وسلطانهم على الإسلام؛ أهذا هو الواقع أم أنتم لا تبصرون؟

إن سكوت علماء الأرض كلهم على الباطل في الدين لا يصيره حقًّا، وإن تواطؤهم جميعًا على منكر فيه لا يصيره معروفًا، وإننا لسنا من الكرامة على الله أن ينسخ أحكام دينه لأجلنا، أو ينسخ صواب دينه لأجل خطئنا فيه، وما ثَمَّ إلّا ما ختمت به الرسالة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فما لم يكن يومئذ دينًا فليس اليوم بدين، كما قال مالك- رضي الله عنه- وقد بطلت عقائدنا يوم زغنا فيها عما جاء به القرآن، فكيف لا تبطل عباداتنا المسجدية يوم رضينا بتولية أئمتها من حكومة مسيحية، ويوم رضينا بتصرّف تلك الحكومة فيها، ويوم نظرنا إلى الظواهر، وعمينا عن الحقائق، ويوم غلبنا على الماديات فتبرعنا بالروحيات: غلبنا على الأوقاف، ولكننا تبرعنا بما عداها، بسكوتنا وتخاذلنا ومطامعنا؛ ولو أن أوائلكم (وفيهم العلماء وفيهم الفقهاء) تفطنوا للمكيدة لعلموا، يوم أخذت أوقافهم كرهًا، أنها ما أخذت إلّا لتجر معها المساجد، وأن المساجد لا تؤخذ إلّا لتجر معها الأئمة، وأن الأئمة لا يجلبون إلّا ليجروا معهم الأمة، ولو تفطنوا لذلك لأنفقوا على المساجد من أموالهم الخاصة، وتركوها حرّة منعزلة عن التدخل الحكومي حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، ولكنهم جعلوا الدين تبعًا للدنيا، فضاع الدين والدنيا؛ وها أنتم أولاء ترون أن (الأوائل) هم الذين أبطلوا عبادتكم بسكوتهم عن كلمة الحق في وقتها، ولو لم يسكتوا لكفونا وإياكم مؤونة السؤال والجواب ...

يا قوم ... لئن كان الحكم ببطلان عبادات المسلمين كبيرة عندكم فأكبر منها عند الله وعند عباده المستبصرين في دينهم أن يتولى الإمام الإمامة من حكومة مسيحية، ولو كان ذلك إكراهًا لكان له وجه من التأويل، لكنها قضية لا يتصور فيها الإكراه بحال، وإن أكبر منها عند الله أن يتعمد المسلم طلب الإمامة من حكومة مسيحية، وحسبكم بالطلب وحده قادحًا في الدين، فكيف بالرضى بعد ذلك والاطمئنان، فكيف بالاستهانة بغضب الله في جنب غضب الحاكم المسيحي؟ فكيف لي ما وراء ذلك مما نسمعه ونشهده؟

...

إن إمامة الصلاة استخلاف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن مكانتها من الدين هي مكانة الصلاة نفسها، فإذا هانت في نظركم إلى هذه الدرجة فقد أهنتم الدين، ومن أهان الدين فهو غير حقيق بالانتساب إليه؛ وقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - كلما غاب عن المدينة استخلف من ينوب عنه في الصلاة، كما يستخلف- أو قبل أن يستخلف- من ينوب عنه في الحكم بين الناس، وكان إذا جهز سرية أو بعث بعثًا فأهمّ ما يوصي به قوله: وليصل بكم فلان؛ ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>