للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشغله مرض الموت عن الاهتمام بإمام الصلاة، فاختار لها أبا بكر، وقال: مُروا أبا بكر فليصلِّ بالناس؛ ولم يَكِل هذه المسألة العظيمة للصحابة، وفيهم جبال العلم وأفذاذ التقوى والدين، ولم يثنه عن اختيار أبي بكر رأي عائشة وحفصة في اختيار عمر؛ وإن الصحابة- رضي الله عنهم- كانوا يعتبرون إمامة الصلاة درجة فوق الخلافة العظمى، بدليل استدلالهم على استحقاق أبي بكر للخلافة بتقديم رسول الله إياه لإمامة الصلاة، وقال قائلهم: أفلا نرتضي لدنيانا من ارتضاه رسول الله لديننا؟

والحقيقة الجامعة في الإسلام أنه لا يولي الإمام إلّا من كان صالحًا- هو نفسه- للإمامة، مثل الخليفة أو نائبه، وقد كان الخلفاء يتولونها بأنفسهم، ولا يُنيبون عنهم فيها إلّا حيث تبعد الجماعات، فينزلون عن هذا الحق لجماعات المسلمين.

ومن أصول الإسلام ومناهج تربيته الحكيمة أن الإمامة لا تطلب، وأن أمير المسلمين، أو جماعة المسلمين هم الذين يختارون لها من يرتضون دينه وأمانته، وقد يُلزمونه بها إلزامًا، كما يلزمون بالقضاء، لأن أهل الخير والصلاح الذين مُلئت قلوبهم من خشية الله كانوا يتهيبونها ويرونها من العهود الثقيلة، وأين هؤلاء من أولئك؟ إن كثيرًا من هؤلاء لا يطلب الإمامة لذاتها، ولا لإقامة الشعيرة، ولا حرصًا على تعمير بيوت الله، وإنما يطلبها ويرتكب الموبقات في طلبها، لأجل المرتب الشهري، ولولا المرتب لما رأيتم أحدًا منهم يدخل المساجد، وافهموا وحدكم السر في تباعدهم عنا، وهروبهم منا، وممالأتهم للحكومة علينا، فكل ذلك من أجل المرتب ... كل هذا ونحن لا نريد لهم قطع المرتب، وإنما نريد لهم تثبيته واستحقاقه بشرف على يد إخوانهم المسلمين، لا على يد حكومة مسيحية؛ ولو كان للإسلام سلطان على النفوس، لما أقدم واحد منهم على هذه العظيمة، ولما تابعه عليها أحد إن هو فعلها.

قال الأول: أذل الحرص أعناق الرجال.

ونحن نقول: أذل "الخبز" أعناق أشباه الرجال، فلو أن هذه الحكومة- على عُتوّها وإضمارها الشر للإسلام- رأت منا زهدًا في هذه الوظائف، وعزوفًا عنها، ورأت مع ذلك إجماعًا منا على كلمة الحق فيها، وتسليمًا من الخاملين للعاملين منا- لو أنها رأت ذلك منا لكان موقفها من القضية غير موقفها، ولكنها نثرت الحبّ، فتساقطت العصافير، وطرحت الأب، فتهافتت اليعافير، وسقط عليها العاصمي فوجدت (الضالة) في الضال، وفهمت (دلالة الالتزام) من الدال، وتعاقدت الرفقة على الصفقة.

...

لو كان من أقسام الإضافة في النحو ما هو بمعنى (على) لخلعنا على العاصمي لقب "حجة الإسلام".

<<  <  ج: ص:  >  >>