للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأينا بأعيننا كيف يتهافتون على مكتب مدير الاستعلامات (رئيس المكتب الثاني) بقسنطينة، وكيف يرجعون إليه حتى في فتح المسجد وإغلاقه، وكيف يرجون رحمته ويخافون عذابه، وكيف يتقربون إليه بما هو من جنس صنعته، وكيف يصرّفهم بالكلمة والإشارة كما يُصرف قائد الفرقة الموسيقية فرقته، ثم نتساءل: ما هي علاقة رجال الدين بإدارة الاستعلامات؟ فإن كان فيها سر ديني إلهي، فلماذا لا يتردد عليها رجال الدينين المسيحيّ واليهودي؟ والجواب عند ذلك الشارح الحاذق المحقق ...

كذلك ما زلنا نجهل معنى (السانديكة) (١) التي سموها جمعية رجال الدين، ونتساءل: لماذا لا تكفي رجالها مؤونة التردد على هذه الإدارات، أو تكفهم عنها؟ إلّا أن يكون معنى وجودها محصورًا في مقاومة العاملين لتحرير الدين ورجاله، والواقفين بالمرصاد للحكومة فيها، والمعترضين كالشجى في حلقها، بآية أن هذه (السانديكة) لم تعمل من أعمال (السانديكات) إلّا تقريرها الأول، ومذكرتها الأخيرة وكلاهما محقِّق لذلك المعنى الذي فهمناه من تكوينها، وإن العمال، وبعض طبقات الموظفين الدنيويين لأشرف قصدًا، وأعلى همة، وأنبل غاية من رجال الدين، لأنهم لا يرضون المهانة لبني حرفتهم، فإذا ظلم واحد منهم، انتصروا له بالإضراب والاحتجاج، حتى ينتصفوا له من ظالمه، وسلوا رجال الدين: لو أن واحدًا منهم لحقته مظلمة أو إهانة، أكانوا ينتصرون له ويحتجون، ولو ... بالاستعفاء الإجماعي؟ ... إنهم لا يفعلون ذلك ولو سقطت السماء على الأرض، وحالف بطن الراحة الشعر، لأن زأرة واحدة من مدير الاستعلامات تكفي لانخذال الأعضاء، وانخلاع القلوب، وجفاف الريق في اللهوات، فما أشأم هؤلاء على الإسلام، وما أتعس جد الإسلام بهؤلاء!

...

وانا لنعلم أن أنصار «البصائر» يربأون بها أن تنزل من عليائها للعاصمي وشيعته، وإن من شيعته لأبا فلان، وأبا فلان، ويعدون هذا كله غميزة في مقامها الأدبي، وزراية بمكانتها المعنوية، ولكنهم لا يعلمون ما نعلم من أثر هؤلاء مجتمعين ومفترقين في قضية الأمة، ولا يفهمون ما نفهم من أنهم أصبحوا متاريس وقاية لهذه الحكومة، وأنها نصبتهم ليكونوا لها حجة حين أعوزتها الحجج ... ولماذا ذكر الله إبليس، وكرر اسمه في القرآن؟ ...

...

من ينصب نفسه دريئة، فلا يرجُ أن تكون عيشته مريئة، ولا يَدَّعِ أن ذمته بريئة! ...


١) السانديكة: كلمة فرنسية معناها النَّقابَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>