للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكومة تثبيتٌ للدعامة الأولى، وفي التعليم العربي تمكين للجنسية العربية؛ ولا يقدر قدر هاتين الدعامتين، ولا يعمل جاهدًا في تثبيته، إلّا من يعلم- كما نعلم- أن الاستعمار جاء إلى هذا الوطن بثلاثة أشياء، ليمحو بها ثلاثة أشياء: جاء باللاتينية ليغمُر بها العروبة، وجاء باللغة الفرنسية ليقضي بها على اللغة العربية، وجاء بالمسيحية لينسخ بها الإسلام، يبدأ بالمجاورة، ثم المضارّة، ثم ترحيل الأقوى للأضعف، وكل أعماله وشرائعه- بعد ذلك- حياطة لهذه المبادئ وتقوية لها، وما عمله في إحياء النزعات البربرية إلّا مثال من المبدإ الأول، وما ضغطه على التعليم العربي إلّا مثال من القاعدة الثانية، وما تشجيعه للضلالات والبدع، وتلكؤه في فصل الإسلام عن الحكومة، ومشروع الإسلام الجزائري إلّا أمثلةٌ من المبدإ الثالث، وما مشروع الاندماج الذي باء بالخيبة والبوار، ولقب "مسلم فرنساوي" الذي يعرفنا به- وغيرهما من مبتكراته- إلّا عناوين على كتاب طويل عريض، مقدمته "مسلم فرنساوي" وخاتمته " فرنسوي مسيحي".

لعمري ... إن أنكر وأشنع ما في اللغات، من تزاوج الصفات، هذا التزاوج بين صفتين "مسلم فرنسوي"! إنها مزاوجة لا يرتضيها عقل ولا دين ولا ذوق، فإن الإسلام دين، والتفرنس جنس ليس من الأجناس التي اعتنقت الإسلام دينًا، فالتزاوج بين الصفتين محكوم فيه بالتفريق والتحريم المؤبد "بعد العقد وقبله" كما يقول الفقهاء، ولهذا التزاوج صيغٌ، كلها نكر وشناعة وبُعد عن الواقع، فمنها "مسلم مسيحي" و "عربي فرنساوي" وما قول فقهاء الاستعمار (دام فضلهم) لو قبلنا هذا التزاوج، وقلنا لواحد من فرنسيي الجزائر: "فرنسوي مسلم"؟

إن هذا التزاوج على هذا الوضع صيغة مختارة لترويض النفوس النافرة على غاية مقصودة، وتهيئة تدريجية لقبولها، ولا ليت قومي يعلمون ...

أما الكلمة العبقرية التي اختارها الله لنا، فهي "مسلم عربي جزائري" ...

...

نظرتنا إلى قضية الموضوع أنها أساس متين من أسس الوطنية، ووزننا لأعمالنا فيها أنها أعمال وطنية أولية، فإن الوطن مسلم عريق في الإسلام، عربي أصيل في العروبة، وعلى كل وطني مخلص في خدمة وطنه أن يبدأ من هنا، وإلّا فهو مغموز في وطنيته: إما مدسوس فيها، أو متاجر بها، أو مخدوع عنها، أما الوطني الصميم فهو المدافع عن دين وطنه ولغة قومه، حتى يثبت أن هناك وطنًا يشرّف الانتساب إليه، وقومية يحسن الاعتزاز بها، وما بذَل الاستعمار هذا الجهد كله في حرب الإسلام والعربية بهذا الوطن، إلّا ليجرده من اسم

<<  <  ج: ص:  >  >>