للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الوطن " ويجرد أهله من صفة "الوطنيين"، لأن الوطن إذا جرد من هذين، لم يعدُ أن يكون "قطعة أرض موات" يحوزها من طلب أو من غلب.

وما زالت فرنسا- على جمهوريتها ولائكيتها- تعد المبشرين بالمسيحية من أكبر الوطنيين، وتعد الناشرين للغتها في الأوطان الأخرى في طليعة الخادمين لوطنهم، لعلمها أن الوطن كل، أثمنُ أجزائه اللغة والدين، فكيف بمن يخدم دينه في وطنه، ويزرع لغته في أرضها؟

ويا ليت قومي يعلمون! ...

إننا لنعلم أن للحكومة في هذه القضية أبوابًا ومخارج، وتقارير وبرامج، وأنها تدير الرأي في أيها أصلح، وأيها أضمن لبقاء سلطتها على الدين الإسلامي، وإنّ لها في ذلك أعوانًا، ضربت عليهم الأزلام، فكانت لنا منهم الأسماء، ولها منهم كل شيء، وإن قطع الوتين أهونُ عليها من انقطاع سلطتها على هذا الدين، ولو تقاضتها الظروف أن تلبس العمامة- لتنتحل شبه الإمامة، وتحفظ لنفسها شيئًا من هذه السلطة- لما تردّدت في لوثها، وتكويرها، وزيادة عذَبة أطولَ من عذَبة "الهندي".

أما نحن فلا نرضى في القضية إلّا بالحق كاملًا، وهو أن يرجع ميراث محمد إلى أمة محمد، فإن كانت رشيدة فهي أحق به، وإن كانت سفيهة لم تخسر رأس المال، وهو تصحيح العبادات والشعائر؛ ومهما تبلغ من السفه فلن تبلغ فيه إلى درجة الاستعمار الذي ابتلع الآف الملايين من قيمة أوقافها، وجاد عليها ببضع "كيلوات" من الزلابية، وبدار سماها بأدل الأسماء على المهانة والسخرية وهي "دار الصدقة (٢) ".

لتتلوّن الحكومة ما شاء لها التلون، ولتطاول ما وسعتها المطاولة، ولتتصامم عن سماع صوت الحق ما شاءت أن تتصامَّ، فما بد لها من أن تعترف بالحق، وتفيءَ إلى الحقيقة، وما بد لصوت الحق أن يخرق الآذان الصمّ، وإذا كانت- كما عهدناها- تعد صوت الحق طنين ذباب، فلتعلم أن منه ما يكدر الراحة، ويذود النوم عن الجفون.


٢) دار من بقايا الأوقاف الإسلامية بمدينة الجزائر أبقاها الاستعمار يجتمع بها طائفة قليلة من الفقراء في بعض الأوقات وتوزع عليهم بعض فرنكات، بعد أن كانت في هذه المدينة عقارات موقوفة على سبل الخير كلها، شملت أصحاب العاهات كلهم وشملت تزويج الفقيرات وتجهيزهن كسوة وحلية وفرشًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>