للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عزّ عليها أن تنقض أركان الإسلام ركنًا ركنًا ويبقى هذا الركن- وهو الصوم- خارجًا عن نفوذها، ورأت نقصًا في سمعتها، وغميزةً في كرامتها أن تفلت شعيرة الصوم من قبضتها، واهتبلت الوقت الذي اشتدت فيه مطالبتنا بالأوقاف والمساجد وحرية الحج، فمدت يدها إلى الصوم، تعبث فيه بالكيد، وتُفسده بالحيلة، وكأنها تريد أن تلهينا بشيء عن شيء، وكأنها تقول لنا: يا طالبي النهاية، ارجعوا إلى البداية ...

دبت حركتها إلى صوم رمضان دبيبًا خفيًّا من هذه الثغرة التي أصبحت شرًّا على المسلمين، ووبالًا على دينهم، وهي وظيفة الفتوى والقضاء، فكونت من رجالها فيهما "لجنة الأهلة" فأصبحوا يتحكمون في هلال رمضان المسكين وحده يثبتونه وهم في جحورهم، أو يخفونه وهو في كبد السماء، اتباعًا لوحي مرسوم لا يتعدونه، ثم أمدّت تلك اللجنة بسلاح من القانون وهو اعتبار الأعياد الإسلامية رسمية، تعطل فيها الأعمال الحكومية والمهنية والصناعية، وما شرعت ذلك القانون حبًّا في الإسلام، واحترامًا للمسلمين، وإنما شرعته لتلجئ الموظفين والعمال المسلمين إلى اتباع رأي لجنتها في الصوم والإفطار، إذا اختلفت الآراء، وتهيّئ الجزائر للانقطاع عن الأقطار الإسلامية، وتتوصل بذلك إلى بسط نفوذها على هذا الركن، وتقطع العلاقة بين الجزائر وبين العالم الإسلامي، وتحاول- من جديد- تكوين "إسلام جزائري"، بعد أن أخفقت التجارب القديمة.

تدخلٌ مفضوح أضافته الحكومة إلى أعمالها القديمة، وتدخلاتها الأثيمة في شؤون ديننا، لتثبت به سلطتها عليه، وأضفناه نحن إلى قائمة ما نكشف عليه من كيدها، وما نقاومه من ظلمها، فلا هي ترعوي، ولا نحن نسكت، فعلى الأمة أن تتفطن لهذه المكايد الشيطانية، وتزنها بآثارها، وتعتبرها بعواقبها، فإن هذه الحكومة لا تعمل عملًا إ، وله غاية وعاقبة، ثم لا تكون الغاية إلّا هدمًا لركن من أركان ديننا، ولا تكون العاقبة إلّا ريحًا لها وخسارًا لنا، وإن الحزم أن نبت هذه الحبال التي تمدها منا إلينا، وأن نعاملها بالقطيعة وأن نتولى صومنا بشهادتنا وأعيننا، وبالاتباع لإخواننا المسلمين حيثما كانوا، إذا بلغتنا أخبارُهم على وجه شرعي صحيح ... وبكل ما نملك من الوسائل.

إن آثار الاستعمار فينا هي التي جعلتنا سريعي التأثر بدواعي الفرقة، وقد نجح في تفريقنا في الدنيويات لأنه يملك أسبابه، فرجع إلى الدينيات يزيدنا فيها تفريقًا على تفريق، فعلى الأمة أن تحذر هذه الفخاخ المنصوبة، وأن ترجع في مسألة الصوم والأعياد إلى أحكام دينها وحِكَمه، وأن ترفع الخلاف بالرجوع إلى الحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>