للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينفذها طرف واحد، لأ صلة بينه وبين الشعب في مزاج ولا تاريخ ولا دين إلّا قوّته وطغيانه، وإن هذا لهو أصل شقاء الجزائر وبلائها، وإنه لأضر ما تشكوه الجزائر، وأفظع ما تعانيه، وإنه لأكبر الأسباب في هذا الغضب المتزايد في الأمة، وهذا القلق المنتشر بينها، وإنه- والله- لوضع غريب، وقبيح أن يكون الحاكم الفرنسي هو المشرّع والمنفذ والمرجع في كل شيء، وأن يكون المسلم الجزائري من هذا الوضع في دائرة مفرغة، يبتدئ من حيث ينتهي، وينتهي من حيث يبتدئ، ويشتكي من الظلم إلى الظالم، ويستعدي عليه القوانين المكتوبة في الأوراق، فيجدها منسوخةً بقوانين أخرى في النفوس، ويفزع إلى ما يفزع إليه أفراد الأمم من قضاة ومحاكم، فلا يجد في ذلك شيئًا يمت إليه بنسب أو يعلق به بسبب، ويلجأ إلى ما تلجأ إليه الشعوب من حماتها الذين اصطنعتهم لنفسها ونصبت منهم رقباء على حكوماتها، وهم النواب، فلا يجد منهم من يعترف له بمنة سابقة، أو يدخر عنده يدًا لاحقة ...

إن الأمة التي ليس لها على نوابها سلطان يحملهم على ترضيتها والخوف من غضبها، وليس لها على قضاتها وحكامها يد تشعرهم بمكانها منهم، ومكانهم منها، هي أمة سوائم، تساق إلى الموت وهي تنظر، ومن مارَى في وجود مثال منها في هذا العصر فالأمة الجزائرية هي المثال الشاهد المشهود.

...

وخُض في حديث غير هذا فللحديث شعاب، وقد كررنا هذا الحديث حتى ملّ، فاطرد عنا سأم التكرار بطريف، وإن كان غير ظريف، وهلم بنا إلى أمثال العرب، وقعْ منها على قولهم: "رمتني بدائها وانسلت"، وجاوزْ مورده البعيد إلى مضرب قريب، وحاول فإن التوفيق لك حليف.

أرأيتك هذا الاستعمار الذي نمارس منه الشقاء ونتجرع بسببه العلقم ... إنه يجهد نفسه في عيب الشيوعية، ويقيم من نفسه عدوًّا لها، ومن أعماله حربًا عليها، وما هو- في الواقع- إلّا داع لها بتلك الأعمال التي هي أبلغ من الأقوال، فهو بذلك يزرعها من حيث يريد اقتلاعها، ويُثبتها من حيث يريد زعزعتها، وليس في السفه ولا في الخطل ولا في التناقض أشنع من هذا، وإنه ليعد أمضى سلاح يسدده في الدعاية ضدها، أنها عدوة للأديان وأنها عاملة على محوها ... وليت شعري ماذا أبقى الاستعمار الفرنسي "الديمقراطي" للشيوعية من حرب الأديان ومنها الإسلام؟ ... إننا نشهد ونُشهد الله على أن الشيوعية إن حاربت الأديان، أو الإسلام خاصة، فهي تلميذة للاستعمار الفرنسي في ذلك، فهو الذي خطط لها الخطط وفتح لها الباب وضرب الأمثلة، ومن البعيد أن يساوي التلميذ الناشئ شيخه المحنك المحكك، ومن العيب أن يعيب الأستاذ على تلميذه اتباع خطواته ...

<<  <  ج: ص:  >  >>