للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيستريحوا منهما معًا، ذلك لأنهم يعلمون أن الإسلام هو مساك الأخوة الروحية، فإذا وهى وضعف تأثيره على النفوس، نجمت النعرات المفرقة، ووجد دعاة التفريق مداخلَ للإغراء واللإغواء.

وليس في هذا الوطن بربري وعربي كما يوهمون، وإنما هم جزائريون، جمعهم الإسلام على تعاليمه، ووحدتهم العربية على بيانها، كما أوضحناه بالأدلة في مقال "عروبة الشمال الأفريقي" المنشور بعدد ١٥٠ من هذه الجريدة، ولكن من عادة الاستعمار أن يحصي المعاني الميتة ليقتل بها المعانيَ الحيّة، ويزيّن للناس الباطلَ ليدحض به الحق، وقد أكثر من هذا حتى أشعر الأمم به، فأصبحت لا تفهم من كلماته إلا عكس معانيها.

...

وتعصبْ- أيها المسلم- لدينك التعصبَ الطبيعي المعقول، وزد على ذلك القسط الطبيعي جميعَ ما يرمونك به من أنواع التعصب المرذول، فإنك لست ببالغ معشار ما عند هؤلاء من التعصب للمسيحية، ولكن تعصّبهم منظّم تحرسه القوّة، فأصبح معدودًا في حسناتهم، وتعصّبك فوضى يخمده الضعف، فأصبح مزيدًا في سيئاتك، وقد أوهموك أن التعصب مذموم، واستعانوا عليك بجهلك، ففرطت في محموده ومذمومه، وتجرّدت من أنفذ سلاح تحفظ به دينك، وما زلت تفرط في حقه خوفًا من أن ينبزوك بباطله، حتى أمسيتَ تعيش بلا عصبية لدينك، ولا عصبية لدنياك، وان هذا لسر ما ناله الاستعمار منك، لأنك بسببه أضعتَ الدينَ، وبسببه أضعت الدنيا، وخسرت الصفقتين.

إننا لا نلتمس دليلًا على انطواء هؤلاء القوم على النزعة الصليبية، وان هذه القرون لم تضعفها فيهم ولم تنسهم إياها- أكبر ولا أكثر إقناعًا من قول القائد العسكري الذي احتلّ دمشق على إثر الحرب العالمية الأولى، فقد وقف على قبر صلاح الدين الأيوبي، وقال يخاطبه: قد زعمت أننا لا نعود، وها نحن أولاء عدنا ولا نخرج ...

...

وقد نعلم أن بعض رجال الإدارة الاستعمارية، وبعض الجارين في أعنّتهم من رجال الدين المسيحي، يتهمون صاحب هذا القلم بأنه ينشره لهذه الحقائق يثير الفتن، ويحصي كوامن الإحن، وانه يتهجّم على المسيحية، ونعلم أن كلامهم هذا نمط من التخويف بالباطل للصدّ عن الحق، ولا والله الذي أوحده، وكتبه التي أؤمن بها جميعًا، ورُسله الذين لا أفرّق بين أحد منهم، ما هاجمت دينًا بالباطل، وإنما نعيت على رجال الأديان أن يكونوا

<<  <  ج: ص:  >  >>