للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكل عاقل أن يسأل: لماذا يتوقف هذا المجلس في هذه القضية على تقديم الحكومة إياها وعرضها عليه؟ مع أن البرلمان الفرنسي وكل تنفيذها إليه لا إلى الحكومة، ولماذا يتربّص بها هذه المدّة الطويلة؟ مع أنها أهم من جميع القضايا التي عُرضت عليه في خلال السنوات الثلاث الماضية، والجواب معلوم، يكاد لوضوحه أن يحكمَ على السائل بأنه ... غير عاقل.

ومع كل هذه البوادر فإننا لا نظن أن الحكومة جادّة في فصل القضية فصلًا نهائيًّا تبتّ فيه الحبال، وتقطع العلائق، وتقيم به العدل في نصابه، وتسوّي به بين الأديان، وتُرضي به أمة كاملة مطالبة بحقها، جادّة في الحصول عليه ... لا نظن ذلك بها ... لأن لها طبعًا غير الطبائع، ولأن لها في هذه القضية تاريخًا حافلًا بالمداورات، ولأن لها سمعًا ألف التصامّ عن سماع كلمة الحق حتى صمّ بالفعل؛ ومن أراك من نفسه الإصرار على الباطل، وهو يعلم أنه باطل، فقد أرشدك إلى عدم الثقة به إن ادّعى أنه رجع إلى الحق، ولا نظن أن المجلس يستطيع أن يفعل في القضية شيئًا، ما دام زمامه في يد الحكومة، وما دام غيرَ مستقل الإرادة.

...

إن الأصلَ في هذه المجالس أنها تصارع الحكومات، وتناقشها الحساب، وتردّها إلى الصواب، وتحارب النزعات الفردية، كل ذلك لأنها تأوي من الأمّة إلى ركن شديد، أما المجلس الجزائري فإن شأنه غريب، وأمره عجيب.

إننا- مع احترامنا لأشخاص هذا المجلس- لا نسكت عن الانتقاد لوضعه ولأعماله، ولا نمسك عن سوْق النصائح إليه، وإن كانت مرّةً في ذوقه، ثقيلةً على سمعه، ولا نتملّقه ليكون في جانبنا أو يجريَ على هوانا، فإننا قوم لا نرضى أن تكون لنا منّة على الحق، ولا نرضى أن تكون لأحد علينا منّة في الإعانة على خدمة الحق، لأن الحق للجميع، وفوق الجميع، وإنه لا خصم لنا في هذه القضية نحاول الانتصارَ عليه، وإنما نحاول نزع حق من غاصب وهو الحكومة، وإرجاعه إلى صاحبه وهو الأمّة، فمن أعاننا في هذا السبيل فقد أعان الحق وأعان الأمّة وأعان نفسه.

...

أصبحنا لا ندري أهما شيئان أم شيء واحد. هذه الحكومة بصبغتها وأعمالها، وهذا المجلس بوضعه وتشكيله، وأسباب تشكيله، ووسائل تشكيله، الأسماء تختلف، والعلائق تأتلف، والأوضاع غريبة، واللبيب يفهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>