للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد كنا نسأل فصلَ الحكومة عن الدين، فطوّحتْ بنا التصاريف إلى حالة أوشكنا معها أن نسأل فصل الحكومة عن المجلس، لأن تحرير المجلس من سيطرة الحكومة عليه هو الخطوة الأولى في فصل الدين عن الحكومة.

إن الشرط الأساسي للفصل أن لا يكون للحكومة برنامج خاص في القضية، وأن لا يكون للموظفين الدينيين برنامج خاص فيها، لأنهم أبناء الحكومة، وللأب حق الاعتصار في بعض أموال بنيه، أو لأنهم عبيدُها، والعبد وما ملك لسيّده.

أما إذا كانت الحكومة تقدّم للمجلس ملف القضية، وفيما هو (ملفوف) فيه برنامجها الخاص، وعلى أحد وجهيه طابع الرغبة، وعلى الآخر طابع الرهبة، وكأنه لباسُ جندي، يزعج بشارته، قبل أن يزعج بإشارته، وكأنه يقول للمجلس: "نفذني لأني برنامج الحكومة" ثم يستشهد ببرامج الأنصار التي تشهد له (وقد قرأنا منها ثلاثة). أما إذا كان الأمر هكذا فهو أكبر دليل على أن الحكومة لا تنوي الفصل، وإنما تنوي ضده، وما هذه الحركة الجديدة منها إلا فعلة من فعلاتها المعروفة التي تذرّ بها الرماد في العيون، وتطيل بها العلل، حتى تجلب للعاملين الملل.

نذكّر المجلس بأن الفصل مقرّر في صُلب الدستورين الفرنسي والجزائري، فليس له ولا من وظيفته النظر فيه، ونحذّره من هذه الأحابيل التي تلبس الحق بالباطل، فتخيّل إليه أن هذه الكيفية فصل، وما هي إلا الوصل القديم أعوزته شهادة رسمية قانونية، فجاء يلتمسها من المجلس بالحيلة ...

...

أما نحن فما زلنا في هذه القضية على مذهبنا القديم، لم يتغيّر لنا فيها رأيٌ، ولم يتجدّد لنا فيه نظر، وأنَّى يتغيّر الرأي أو يتجدّد النظر في قضية دينية إلهية، تضفي على كل ملابساتها لبوس الدين الذي لا تغيّره الأزمنة، ولا تؤثّر فيه الأحداث، ولا تتجدّد فيه النظريات، والدين السماوي كالسماء: علو وصفاء، وظهور بلا خفاء، وحقائق ثابتة، ونسب غير متفاوتة، وحركات منظّمة، وأحكام مقوّمة، فإن خفيت السماء فمن الغيم، وهو من الأرض، وإذا خفيتْ حقائق الدين فمن الجهل أو من الضيم، وهما من سوء العرض، وكما أن السماء نور تحجبه الأرض عن نفسها، فالدين السماوي رحمة يحيلها البشر نقمة وشرًّا بما تكتسب أيديهم من موبقات، وتبتكر عقولهم من ضلالات.

وقد شرحْنا هذه القضية فيما رفعناه إلى الحكومة من مذكرات، وآخرها مذكّرة ماي سنة ١٩٥٠، وفيما كتبناه على صفحات هذه الجريدة، وإنه لكثير، وبينا الحقائق، وأقمنا

<<  <  ج: ص:  >  >>