للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا أقول لكم هذا تهويلًا، ولكن أقوله ترويضًا، ومن وطّن نفسه على المكروه هانت عليه الشدائد، ووجد كل شيء ضاحكًا باسمًا جميلًا محبولًا.

ومن تخيّل الراحة وحكم أخيلتها في نفسه، ثم كذبته الآمال كان بين عذابين، أمضّهما كذب المخيلة.

يا أبنائي!

إن الزمن قد وضعكم وضعًا صيّركم جديرين بأن تطلبوا العلم لوجه الله، ولوجه العلم، لا للوظائف ولا للشهادات.

تطلبون الوظائف في تونس، فيحول بينكم وبينها نظام الاحتكار، وتطلبونها في الجزائر فتمنعكم منها سياسة الاستعمار! وربّ ضارّة نافعة!

إذا كانت السياسة الاستعمارية تجعل منكم جزائريين في تونس، ثم تجعل منكم تونسيين في الجزائر، فاطغوا عليها بقوة الإرادة، وبقوة العلم، وبقوة الشباب؛ وكونوا وسطًا عامرًا لا تظهر فيه الجزائرية ولا التونسية، ولا تفترق فيه الأنساب، وإنما تجمعكم فيه العروبة والإسلام، ووطنيتهما العامة؛ وإن هذا الوسط هو الذي يسود في المستقبل القريب، وهو الذي تمحى معه الخطوط الجغرافية، والحدود الوهمية.

لا تستشعروا الغربة فأنتم في وطنكم وبين أهليكم، وفي وطنكم الجامع.

وإن دم الجيل ومزاجه ليتعاطفان بالإلهام، فاجروا على إلهام الخير مع إخوانكم الشبان تَنْمُ المحبة وتقوَ بواعث الخير.

إن في تونس تيارات مختلفة اقتضتها مقتضيات زمانية ومكانية خاصة، فإياكم أن تنغمسوا فيها، أو تكونوا في جانب دون جانب.

وإذا دعاكم منها داع فاعتصموا بالعلم الذي هاجرتم لأجله، وبالمعهد الجليل الذي تذوب بين جدرانه جميع الاعتبارات.

<<  <  ج: ص:  >  >>