للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا تعتمدوا على حفظ المتون وحدها، بل احفظوا كل ما يقوّي مادتكم اللغوية، وُيُنمّي ثروتكم الفكرية، ويُغذّي ملكتكم البيانية؛ والقرآن القرآن! تعاهدوه بالحفظ وأحيوه بالتلاوة، وربّوا ألسنتكم على الاستشهاد به في اللغة والقواعد، وعلى الاستشهاد به في الدين والأخلاق، وعلى الاستظهار به في الجدل، وعلى الاعتماد عليه في الاعتبار بسنن الله في الكون.

اتركوا المناقشات الحزبية والخلافات السياسية لأهلها، المضطلعين بها، المنقطعين لها، ودعوا كل قافلة تسير في طريقها، وكل حامل لأمانة من أمانات الوطن مضطلعًا بحملها، قائمًا بعهده فيها، حتى تنتهي تلك الأمانات بطبيعتها إلى جيلكم، فتأخذوها بقوة واستحقاق، واعلموا أن كل مَن يدعوكم إلى ذلك إنما يدعوكم ليضلّكم عن سبيل العلم فهو مضلّ، وكل مضلّ مضرّ؛ أو ليتكثر بكم فهو غاشّ، وكل غاشّ ممقوت، أو ليلهيكم بما لا تحسنون عما تحسنون، فهو ماكر، وكل ماكر ممكور به؛ إن من يريد أن يتكثر بكم لا يتكثر إلا ليقللكم، ولا يتقوّى بكم حسًّا إلا على حساب إضعافكم معنى، فالحذر الحذر! فإن الوطن يرجو أن يبني بكم جيلًا قويّ الأسْر، شديد العزائم، سديد الآراء، متين العلم، متماسك الأجزاء، يدفع عنه هذه الفوضى السائدة في الآراء، وهذا الفتور البادي على الأعمال، وهذا الخمول المخيّم على الأفكار، وهذا الاضطراب المستحكم في الحياة، وهذا الخلاف المستمر على السفاسف، فإذا جاريتم هذه الأهواء المتباينة، واستجبتم لهذه الأصوات المتنافرة، ضيّعتم على الوطن جيلًا، وزدتم في بلائه ومحنته، وأطلتم مدة المرض بتأخير العلاج.

لا يعذلكم في حب وطنكم إلا ظالم، ولا يصرفكم عن إتقان وسائل النفع له إلا أظلم منه، أنتم اليوم جنود العلم فاستعدّوا لتكونوا غدًا جنود العمل.

إن وطنكم مفتقر إلى جيل قويّ البدن، قويّ الروح، مستكمل الأدوات من فضائل وعزائم، وإن هذا الجيل لمنتظرٌ تكوينه منكم، ومحال أن تخرج الحالة التي أنتم عليها جيلًا بهذه الصفات.

إننا نعلم أنكم تنطوون في أيام الطلب على خيالات وأماني من الراحة ورُفهنية العيش، وعلى آمال فسيحة في المستقبل، يوم تنتقلون إلى العمل، وتنتقلون إلى أهليكم تحملون الشهادات والألقاب.

وإن هذا هو منشأ القلق والاضطراب في نفوس الكثيرين من إخوانكم الذين يزاولون التعليم الآن.

فادفعوا عنكم هذه الخيالات، ووطنوا النفوس على أنكم تلقوْن من البلاء والمجهدة في الحياة العملية أضعاف ما تلقون منهما في الحياة العلمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>