للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانوا ينقطعون عن أهليهم وديارهم انقطاعًا متصلًا يدوم سنوات، وأنتم تزورون أهلكم ودياركم في كل موسم، وفي كل عطلة، ويزورونكم، وتخاطبونهم في اليوم الواحد ويخاطبونكم.

الحقيقة أننا لا نسمّي رحلتنا اليوم رحلةً إلا بضرب من التوسع، كما نسمّي السفر بالطائرة سفرًا، ونضعه بجنب السفر على الإبل.

...

يا أبناءنا، إن الحياة قسمان: حياة علمية، وحياة عملية، وإن الثانية منهما تنبني على الأولى قوّة وضعفًا، وإنتاجًا وعقمًا، وإنكم لا تكونون أقوياء في العمل إلا إذا كنتم أقوياء في العلم، ولا تكونون أقوياء في العلم إلا إذا انقطعتم له، ووقفتم عليه الوقتَ كله، إن العلم لا يعطي القياد إلا لمن مهره السهاد، وصرَف إليه أعنّة الاجتهاد.

لا تعتمدوا على حلق الدروس وحدها، واعتمدوا معها على حلق المذاكرة، إن المذاكرة لقاحُ العلم، فاشغلوا أوقاتكم حين تخرجون من الدرس بالمذاكرة في ذلك الدرس، إنكم إن تفعلوا تنفتح لكم أبواب من العلم، وتلحْ لكم آفاق واسعة من الفهم.

لا تقنعوا بالكتاب المقرّر، واقرأوا غيره من الكتب السهلة المبسوطة في ذلك العلم، تستحكم الملكة ويتسع الإدراك، وسينتهي الإصلاح الذي تقوم به إدارات جامعاتنا إلى اختيار كتب سهلة ممتعة في كل علم، تفرض عليكم قراءتها ومطالعتها، ثم كتب أخرى، في المعارف العامة، كالتاريخ، والأدب، والحكمة، والأخلاق، والتربية، فوطّنوا أنفسكم على ذلك من الآن، وروّضوها على اختيار النافع المفيد من الكتب؛ ومن العار الفاضح أن لا نرى في الكثير من أبنائنا الذين تخرّجوا من الزيتونة، واتّجهوا بفطرتهم إلى الأدب، من استوعب كتاب الأغاني قراءة، ولا في من اتجهوا إلى علوم الدين من استوعب قراءة الصحيحين والسنن؛ ولعمري ما سلاح الأديب إلا الأغاني وأمثاله، ولا سلاح الفقيه إلا تلك الكتب وأشباهها.

لا تقطعوا الفاضل من أوقاتكم في ذرع الأزقة إلا بمقدار ما تستعيدون به النشاط البدني، ولا في الجلوس في المقاهي إلا بقدر ما تدفعون به الملل والركود، ولا في قراءة الجرائد إلا بقدر ما تطلعون به على الحوادث الكبرى، وتصلون به مجاري التاريخ.

خذوا من كل ذلك بمقدار، ووفّروا الوقت كله للدرس النافع والمطالعة المثمرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>