للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقيت إدارة المعهد ولجانه العناءَ المضني في حل مشكلة الإسكان، وبذلت الغالي من الجهد والوقت والمال، فلم تجد من الأماكن ما يكفي، ولم تجد في الموجود ما يشرّف المعهد والعلم، وما زالت مشكلة المساكن قائمة تتطلب حلّها. ومحالٌ أن تحلّ إلا ببناء حيّ كامل للطلبة، يحمل اسمهم، ويتّسم بسيماهم؛ وما ذلك على الأمّة الجزائرية بعسير، وما هو في جنب المعهد الجليل بكثير، وإن لجمعية العلماء لأملًا يلوح من خلال المستقبل، تعتمد على الله وعلى الأمّة في تحقيقه، وإن في نفسها لصورةً كاملة للمعهد، سيبرزها للوجود اطّراد النهضة، وعزيمة الجمعية، وهمّة الأمّة، وثقتها المتينة بالجمعية.

...

ومن شأن النهضات إذا استحكمت أسبابها في الأمم، وقويت دواعيها من إلحاح الزمان، وحفز الضرورة، أن تظهر متساوقةً في الأسباب والمسبّبات. غير أن الناظر إلى نهضتنا نظرة استبصار، يرى فيها نشوزًا في بعض جوانبها؛ فإن هذا الإقبال الذي نشاهده من أمّتنا على العلم لا يقابله إقبال آخر على البذل يكافئه ويقوم به؛ وهذه هي علة العلل في ما تعانيه مشاريعنا العلمية من ضيق ورهق، والحقيقة الواقعية هي أن مشاريعنا قائمة في الجانب المالي على الفقراء ومتوسطي الحال. أما الأغنياء- إلا من رحم ربّك- فلم يقوموا بما يجب للنهضة من بذل إلا بمثل ما يقوم به الفقراء أو بقريب من منزلتهم.

وإلى هؤلاء المتقاعسين عن البذل، المتصامّين عن العذل، نرسلها صيحة إنذار، ليس معها إعذار، ونقول لهم: إن كل ما يصيب هذه الحركة المباركة من شلل، أو يعتريها من خلل، فأنتم المسؤولون عنه عند الله وعند الناس، فلتنفقوا مما جعلكم الله مستخلفين فيه، ولتعلموا أن كل ما تنفقونه في هذا السبيل يعلي ذكركَم، ويزكّي أموالكم، ويعود عليكم وعلى أمّتكم بالنفع، وإن قبض الأيدي عن الإعانة مسبّة، وسوء مغبّة، وأن مقادير الأموال هي أقدار الرجال، و"أن الأكثرين هم الأقلّون يوم القيامة إلا من قال هاء وهاء" كما جاء في الحديث الصحيح.

أما الفقراء والمتوسطون فقد أبلوا، وأما قادة الحركة فقد شادوا وأعلوا، وأما أمثالكم فقد جاءوا بالوشل، وأما المثبطون فقد باءوا بالفشل، وأما القافلة فهي تسير، فيها المعيي وليس فيها الكسير.

...

أما قيمة المعهد المعنوية عند الأمّة فهي القيمة الغالية، وأما منزلته فهي المنزلة العالية، وأما الثقة به فهي المثل الشرود، والزرد المسرود، إلا فئةً عُرفت بسيماها، إذ أضلّها الله وأعماها، جرت من الخبث على نسق، وسرَتْ من الجهل في غسق. تحارب الله ورسوله

<<  <  ج: ص:  >  >>