للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا للحكومة مرّات- في صدق وإخلاص-: إن هذه الأمّة رضيتْ لأبنائها سوء التغذية، ولكنها لا ترضى لهم- أبدًا- سوء التربية: وإنها صبرت مكرهة على أسباب الفقر، ولكنها لا تصبر- أبدًا- على موجبات الكفر.

وقلنا لها: إن هذه الأمّة أصبحت منك بمنزلة الهرّة التي دخل صاحبها النار بسببها، لأنه لم يطعمها، ولم يدعها تأكل من خشاشِ الأرض؛ فلا أنت علمت الدنيا، ولا أنت سمحت لنا بتعليم الدين.

وقلنا لها: إن هذه الأشياء الروحية التي تسمّى الدين والعقيدة والضمير، هي أشياء طبيعية، بل هي أجزاء من الوجود الإنساني، فمقاومها كمصادم الجبل الأشم، لا يبوءُ إلا بالزعزعة والضعضعة؛ أفتسمحين للإباحية بالإباحة، ولتحلل الأخلاق بالتحليل، حتى تراخت الأواصر، وانحلت العناصر، وفي ذلك البلاءُ العظيم، ثم تتشدّدين في الدين وتعليمه هذا التشدّد؟

وقلنا لها: إن تعطيل المدارس العربية بالأوامر الإدارية- لأن المعلم الذي يعلّم، أو الجمعية التي تدير، غير مرضيّ عنهما- يعد عقوبةً للأطفال الصغار الذين لم يرتكبوا ذنبًا، ولو أنها عقوبة لهم في أبدانهم لقلنا: جرح ويندمل، ولكنها عقوبة لهم في دينهم وشواعرهم وعقولهم. إننا نريدهم أَنَاسِيَ وأشياءَ نافعة لنفسها وللمجتمع، وأنت تريدينهم لصوصًا وحيوانات ضارّة وبلاءً على أنفسهم وعلى الأمّة.

وقلنا لها: إن هذه المدارس التي شيّدتها الأمّة لأبنائها بأموالها ولم ترزأ خزانتك فيها درهمًا ولا دينارًا، قد أصبحت تضاهي مدارسك سعةً ونظامًا وجمالًا واستكمالًا لشرائط الصحة، واسترحنا واسترحت. فلو كان الأمر بيننا جارًيا على المنطق، مبنيًّا على حسن النية، لكنت- إذا لم تنشطي- لم تخذُلي، وإذا لم تعيني، لم تعارضي، وإذا لم تعتبرينا أعوانك على تهذيب هذا الشعب، لم تعتبرينا أعداءً ومشوّشين على سياستك الاستعمارية، فما زالت الدول عاجزةً عن تعليم أممها وعن تهذيبها، وما زالت الجمعيات تعاونها في ذلك، وما زال الفريقان متآزرين على التهذيب العام، في عصر التهذيب العام. أفلا تنتج القضايا المنطقية في هذه القضية أنك مصممة بأعمالك على قتل التعليم وقتل العربية وقتل الإسلام؟

وقلنا لها: إننا قوم لا نفرّ من المسؤولية بل نتحملها مسرورين. ولا نعمل أعمالنا في ليل دامس، بل نعملها في وضح النهار، وإن لكل مدرسة من مدارسنا جمعيةً جاريةً في تكوينها على القوانين العامة، مسؤولة عن أعمالها، مستوفيةً للإجراءات الرسمية، وأول المواد في قوانينها الأساسية أنها جمعيات تعليم ديني عربي؛ فإذا كان في مدرستها معلم أو معلمون فهي "الضامنة" فيهم والمسؤولة عنهم. فمن العدل أن يكون الترخيص في تشكيل الجمعية ترخيصًا

<<  <  ج: ص:  >  >>