للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لها في التعليم ما دامت هي المسؤولة عن المدرسة والمؤسسة لها. ومن الشطط، بل من الظلم، بل من التناقض، بل من المحال العادي، أن تطالب بعد ذلك بترخيصات شخصية لكل معلم.

أما أن هذا من الشطط الذي لا يطاق احتماله، فلأن المعلم قد ينفصل عن الجمعية في أيام، لأنه لم يرضها، أو لأنها لم ترضه، وقد يمرض أو يموت، فتضطر إلى معلم آخر، وقد يتكرر هذا المعنى في الشهر الواحد مرّات، وفي كل مرّة تتكرّر الإجراءات اللازمة للرخصة، وفي كل إجراء ما قدّمنا في المقال السابق من التعقيدات المقصودة.

وأما أنه ظلم، فلأن تلك العمليات تستلزم- طبعًا- تعطيل المدرسة، وتشريد الأطفال بناء على قاعدة "لا تفتح المدرسة حتى تحصل الرخصة".

وأما أنه تناقض، فلأن مؤدّاه أن الترخيص الأول في تكوين الجمعية عبث ولغو، ولا معنى له، ولا قيمة لتسجيله في الدفاتر الرسمية، ولا لاعتراف القانون بها، ولا لتعليق المسؤولية على أعمالها، لأن المسؤولية تتعلق بالأعمال، وعمل الجمعية إنما هو التعليم، واشتراط الرخصة الخاصة في المعلم تعطيل لها عن مباشرة هذا العمل الذي اعترف لها القانون به يوم اعترف بها.

وأما أنه من المحال العادي فلأن نظر الجمعية ونظر الحكومة في المعلم متباينان بل هما كالخطين المتوازيين في الهندسة، لا يلتقيان مهما امتدّا، فالجمعية تشترط في المعلم كفاءته العلمية والأخلاقية، أو تزكية جمعية العلماء له، ولا تشترط غير ذلك. والحكومة تشترط شهادة "الدوسي البوليسي"، ولا تشترط غير ذلك. وشتان ما بينهما عندنا في الجزائر، لاختلاف النظرين في أصل الميزان الذي يوزَن به المعلم، ولاختلافهما- إلى حدّ التضاد- في معنى المؤهلات والمواقع.

قلت لرجل من رجال الإدارة الحكومية الجزائرية، وهو يفاوضني في هذه القضية مفاوضة رسمية، وكنا يومئذ نتناقش ونبحث الأسباب التي توجب حرمان المعلم من إعطاء رخصة التعليم، فقلت له: يظهر لي أنه لا يمكن أن نتلاقى معكم في نقطة، ما دام مقياس الفضيلة عندنا وعندكم متفاوتًا إلى هذا الحدّ، فنحن نرى- مثلًا- أن السياسة ليست جريمة ولا ما هو أهونُ من الجريمة، وإنما هي حق طبيعي يمارسه كل عاقل، وتزيد عندنا بمعنى، وهو أنها لم تعدُ أن تكون أنةً يستريح إليها المظلوم ... وأنتم ترونها- بالإضافة إلينا فقط- جريمة أية جريمة، وتعاقبون عليها بالسجن والنفي فضلًا عن الحرمان من رخصة التعليم ... ونحن نرى أن الزنا والخمر وما أشبههما كبائر تسقط العدالة والشهادة، ولا نرتضي مرتكبها معلمًا لأبنائنا ... وأنتم لا ترونها جرائم، ولا تعاقبون عليها. فللقاضي- مثلًا- أن يسكر

<<  <  ج: ص:  >  >>