للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العنيف، فهما من دواعي الانتكاس، والانتكاس أخطرُ ما يعرض للحركات في مراحلها الأولى، لذلك كانت تعتبر في مرتبات المعلّمين الحد الأدنى مما يقوم بالضروريات، وهي تعلم ما يقاسيه المعلم من آلام في حياته، وتُشفق عليه وترثي له، ولكنها تعلم مع ذلك حالة الموارد المالية للمدارس، وأهمّها ما يؤخذ من آباء التلامذة مشاهرة؛ وأغلب الآباء فقراء، ولو كان لمدارسنا مدد ثابتٌ من الأغنياء وحقّ الله في أموالهم، لجعلناه بعض ما نبني عليه في التوسيع على المعلمين وإزاحة بعض عللهم، ولكننا هزَزْنا هؤلاء الأغنياء بما يهتزّ له الكرام، فلم تسقط منهم ثمرة، ورقينا لعاهة الشحّ فيهم باسم الله وباسم الدين والوطن، وناشدناهم الله في هذا الجيل المقبل أن يحلّ به ما حلّ بهم من جهل، يصحبه هوان، يصحبه شر مستطير؛ فلم ينزل عفريت بخلهم لرقية، وبقيت مواردُ المدارس- لغيبة الأغنياء عن ميدان البذل- محدودةً مقترة، تتراجع ناضبة، حتى أصبحت لا تبلّ من جفاف، ولا تقوم بكفاف، وإذا لم يكن الغيث هاميًا، فلا ترجُ أن يكونَ النبت ناميًا.

...

نوجّه بعضَ العتب إلى رجال جمعياتنا المحلية، ولا نبرئهم من تبعة التقصير، ونعيب فيهم خلةً كادت تكون غالبةً عليهم، وهي أنهم يؤثرون المصالح الخاصة على المصلحة العامة عند التعارض، ولو أنهم- سامحهم الله- وجّهوا بعضَ اهتمامهم إلى حالة المدارس المادية، وبعضَ تفكيرهم إلى ابتكار مواردَ أخرى للمال، لكان لعملهم أثرٌ يذكر في حلّ هذه الأزمة التي شغلنا التفكير فيها عن التفكير في توسيع دائرة الحركة وتكميل نقائصها، ولو أنهم كانوا أكثرَ جرأة مما هم عليه لما توقفوا عند كل فترة يأنسونها من الجمهور؛ فليعلموا- علمهم الله- أن كل تقصير يقع منهم في هذا الواجب، فمصيبته تقع على المعلّمين البائسين، وأننا لا نسمح بأن يكون تفريطهم على حساب هذه الطائفة المجاهدة، ولا نرضى أن تكون خاتمة أعمالهم فشلًا وخيبة، ولا أن يكونوا هم السبب أو بعضَ السبب فيما يصيب هذه النهضة العلمية من خمود أو تراجع.

إن الموانع لكثيرة، وإن العوائق عن الخير لوفيرة، وشرّها ما عاق عن العلم والدين، ووقف عثرةً في طريقهما، ولكنها عند الرجال مصاعب سهلةُ التذليل، لأنهم يعتبرونها عوارض تزول، وأحوالًا تتحوّل؛ فيكون فهمهم لها وتصوّرهم إياها على حقيقتها أكبر أعوانهم عليها، فيلقونها بالهمم النافذة، والتصميم الخارق، والصبر الثابت، حتى تنقشع غماؤها، وتسلم المقاصد الذاتية؛ وإذا هاج البحر وعصفَتْ عواصفه، فالغرق عارض، والسلامة هي الأصل، وما على الربّان الحاذق المتأثّر بهذه الحقيقة إلا أن يعالجَ الشدّة

<<  <  ج: ص:  >  >>