للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيننا وبين الحكومة خلاف ينتهي إلى التضاذ في فهم معنى التعليم العربي، سببه اختلافُ أداة الفهم فيها وفينا، فهي تفهمه بالذهنية الاستعمارية العنصرية المتأثّرة بالسيادة والاستعلاء، وتراه بالعين التي لا ترى إلا مصلحتها فتحتاط وتبالغ في تقدير العواقب، وتعمى عن مصالح غيرها وإن كانت كالجبال ضخامةً، وكالشمس وضوحًا، وكالعقليات ثبوتًا، ونحن نفهمه بالذهنية القومية الوطنية، ونراه حقًّا لا يعمى عنه ذو بصر، ولا يدفع بالمغالطة، ولا يتحقّق بمثل ما احتوى عليه هذا القرار الفارغ المتناقض الذي هو كالشبكة، كله خروق، يستطيع المنفذ أن يخرج من أيها شاء.

...

شهد التاريخ الحديث- الأمة الجزائرية العربية غضبَى ثائرة لتلك المعاملة المهينة التي كان الاستعمار يعامل بها لغتها، وشهدها تبني لنفسها، وتشيد نهضتها التعليمية بيدها، وتحكّ جلدها بظفرها، وشهدها- مع ذلك- تزعج الاستعمار وتصارعه، وتطالب وتغالب، فليشهدها الآن غضبى ثائرة على هذه البوادر التافهة التي يسمّيها "ملوك الجمهورية" تنظيمًا وإصلاحًا، ويمنونها عليها، ويعدّها المضللون نتيجةً للمصابرة والجهاد.

إن الأمة لا ترضى ولن ترضى بهذا الجزاء البخس كفاءً لما أجمع عليه رجالها من علماء وساسة من المطالبة بحق العربية في وطنها، وحقّها على الخزينة التي تتغذّى بأموالها، وقد كانت هذه الأمة تظن أن عصرَ القرارات المطاطة- ذات المسامّ والمنافذ- قد انقضى، وجاء عصر الحقائق وتفتّح الأذهان والعقول و ... العيون، ولكنّ هذا القرار الأخير بيّن لها أن الاستعمار ما زال في ضلاله القديم.

إن هذه الأمة المؤلفة من عشرة ملايين، هي صاحبة الحق في هذا التعليم، لها غنمه، وعليها غرْمه، فيجبُ أن تكونَ هي صاحبة الرأي الأول في بداياته، وصاحبة الفصل الأخير في نهاياته، وأن تكونَ هي القائمة به، والقيّمة عليه، بمعنى أن يكون المعلّم له من أبنائها المتضلعين في لغتهم، والحارس الرقيب عليه من رجالها المؤتمنين عليها، وأن لا يكون حظها في التعليم الثانوي أوكسَ من حظ الإنكليزية والإسبانية.

فالأمة تريد من التعليم العربي الحكومي الذي يحقّق للعربية صفة "الرسمية" أن يكون تعليمًا كاملًا في جميع مراحله، يبنى على أساس صحيح في المرحلة الابتدائية، وصحةُ الأساس تكون بالمعلم الكفء، والكتاب الوافي، والبرنامج الكافي، ثم ينتقل- صحيحًا- إلى الدرجتين الثانوية والعليا.

والأمة تريد تعليمًا عربيًّا يساير العصر وقوّته ونظامه، لا تعليمًا يحمل جراثيم الفناء، وتحمله نذُر الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>