للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حال إلى حال، وأن يمكن لعادات الخير في نفوسهم، فإذا كان صومهم حقيقيًّا جامعًا لمعاني الصوم وآدابه مشركًا للجوارح كلها في تلك المعاني، كانوا أكثر تأثرًا بالوعظ، وأدنى إلى الانتفاع به في تزكية نفوسهم، وعلاج عللها، وإن شهرًا كاملًا يقضيه المؤمن في الاستشفاء بأنواع من الأشفية الروحية والبدنية، لحقيق أن يضمن به راحة السنة.

ولجمعية العلماء في هذا السبيل سنّة حميدة جرت عليها منذ سنوات، وهي توزيعها لعشرات من رجالها العاملين في ميدان التعليم على المدن والقرى، في شهر رمضان، ليحيوا لياليه بدروس الوعظ بعد نافلة التراويح، ويمتزجوا بالأمة في سائر الأوقات ناصحين مذكّرين، وقد تجلّت آثار هذه الدروس في التربية العامّة للأمّة، بارتفاع قيمة الفضائل في مجموعها، وبتفهّمها لحقيقة الصوم وحكمته، وبهجرها لكثير من فواحش الألسنة فيه، وبمعرفتها للإحسان وحسن اختيارها لمواطنه، وبقوة المعنويات فيها قوةً مشهودة، وبنماء التآخي والتعاون بين أفرادها، وبإلمامها بالسيرة النبوية، وتفطنها لمنابع العِبر منها، وبانتشار الثقافة الفقهية بينها.

...

بعد هذه الكلمة يقرأ القارئ قائمة طويلة بأسماء المشايخ الذين عيّنتهم جمعية العلماء للوعظ في رمضان المقبل، وأسماء المراكز التي عُيّنوا فيها.

فعلى المشايخ الواعظين أن يتّعظوا في أنفسهم قبل أن يعظوا غيرهم، فإن الوعظ إذا لم ينفع صاحبه لم ينفع الناس، ومن لم يكن متأثّرًا بقوله، لم يكن مؤثرًا به في الناس. وعليهم أن يقوموا بما انتدبناهم فيه خيرَ قيام، وأن يؤدّوا حق الله عليهم في النصح والتذكير، وأن يعتمدوا في تذكيرهم على صرائح الآيات القرآنية، وما صحّ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن يضربوا الأمثال بسيرته وسيرة أصحابه- رضي الله عنهم- وأن يجلوا حدود القدوة في ذلك كله، وأن يقرّبوا المعاني من أذهان العامّة، فإن ذلك وسيلة إلى تحبيب العلم إلى نفوسهم زيادة على تشريكهم في الخير وتقريبهم من الهداية.

وعليهم أن يجاوزوا ما لا يعلمون من دقائق الوعظ الخفية، إلى ما يعلمون من حقائقه الواضحة، فإن كلامهم في الدين، فليحذروا أن يقعوا في مزلقة القول على الله بغير علم، وهو من الكبائر التي يأمر بها الشيطان، وفي الهدي النبوي مجال واسع للمذكّرين، وفي الواضح مندوحةٌ عن المشكل.

إن لجمعية العلماء منكم جندًا لهذا الميدان، تفخر به وتُباهي، ولكن هذا الجند متفاوت الحظوظ والأقدار، فمنهم الفوارس المتمرّسون بالمنابر والجموع، العارفون بمداخل

<<  <  ج: ص:  >  >>