للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمسة؛ ولما اختلفت مداركهم في المقيس عليه ما هو؟ أهو ما يجب فيه القطع في السرقة؟ أم ما تجب فيه الزكاة في رأي بعض أئمة المالكية؟ وإن كان القياس في الرأيين واهيًا لخفاء أو لبعد العلة الجامعة بين المقيس وبين المقيس عليه.

ولو كان له حد منصوص في الكثرة لوقف عنده عمر، ولم يعزم على تحديده، وإن كانت الروايات لا تفيد أنه عزم على التحديد، وإنما نهى عن المغالاة فيه، فرواية أصحاب السنن لقول عمر: لا تغالوا في صدُقات النساء؛ وأن امرأة قالت له: ليس ذلك لك يا عمر، إن الله تعالى يقول: وآتيتم إحداهن قنطارًا من الذهب (وهذا الحرف من قراءة ابن مسعود)، وأن عمر قال: امرأة أصابت، ورجل أخطأ.

فتسليم عمر للمرأة يدلّ على أنه لا حد للأكثر، وهو الحق، وهو الواقع ونهيه عن المغالاة سداد ونظر بالمصلحة، وتأديب للمغالين، وعمر خليفة مصلح حريص على حمل الأمة على القصد في كل شيء، وعلى عدم الاندفاع في التطوّر، وقد فاضت الأموال في عهده من الفيوء والمغانم؛ والمال المفاجئ عامل من عوامل سرعة التطوّر ومجاوزة حدود القصد؛ ومن نظر في وصاياه لعتبة بن غزوان في تخطيط البصرة، شهد ببعد نظره في بناء الأمة على أساس متين، ومن تأمّل نهيه عن المغالاة في الصداق، وعزمه على إلزام المطلق ثلاثًا في اللفظ، علم حرصه على أخلاق الأمة أن يدركها التحلّل والانهيار؛ وإنه لا يعزم تلك العزائم إلا حين يرى الناس تتايعوا (٢) في أمر كانت لهم فيه أناة، كما قال هو في قضية الثلاث، ولله در عمر!

...

نرجع إلى الشواهد العلمية من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعمل أصحابه رضي الله عنهم، نجدها لا تدل على تحديد في الأدنى ولا في الأعلى، فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصدقَ نساءَه كما في الصحيح اثنتَيْ عشرة أوقية ونشًّا، والأوقية أربعون درهمًا، والنش نصف الأوقية، فتلك خمسمائة درهم، وتزوّج عبد الرحمن بن عوف على نواة من ذهب، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فأقرّه، والنواة وزن معروف عندهم، قالوا في تفسيره إنه ربع النش، فهو خمسة دراهم.

وفي حديث الواهبة نفسها لرسول الله أنه قال لخاطبها: التمس ولو خاتمًا من حديد ثم زوّجه إياها بما معه من القرآن، يعني بأجرة تعليمها سورًا من القرآن سمّاهنّ.


٢) التتايع بالياء المثناة معناه في المحسات السقوط وعدم التماسك.

<<  <  ج: ص:  >  >>