للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشمس، وشهادة القرون لهم بالاضطلاع وحسن الملكة واحترام الأديان ثابتة مسجلة، فما سمعنا من مستشرقي الاستعمار كلمة منصفة، ولا شهادة عادلة، حتى إذا قُضي الأمر ظهرت للوجود لجنة "فرانس- إسلام" يحمل لواءها مستشرق استعماري مدفوع بالنزعة الاستعمارية، لا بالوازع الإنساني، ولا بالعاطفة التي اكتسبها من اطّلاعه وبحثه، ولا بما يلقى من الشرقيين من إكبار وتقدير ... وعمّم الاسم، ولكنه خصّص الفعل ...

ومن الأقوال السائرة أن الأمور بخواتمها، ولكن أمر هذه اللجنة بمبادئها، لأنها جاءت في الأخير، وبدأت من الأخير، ولو كانت على شيء من الكياسة لغالطت الناس بأشياء مما يتناوله اسمها، ولكن البدار إلى غاية مرسومة ختم على قلبها، وأعجلها عن التروّي فقفزت إلى تلك الغاية من أعسر طريق.

الأقربون أولى بالمعروف- أيتها اللجنة- فلماذا جاوزت الجزائر إلى فلسطين؟ وفي الجزائر إسلام، وفي الجزائر أوقاف، وفي الجزائر مشرّدون.

في الجزائر إسلام مستباح الحمى، منتهك الحرمات، وفي الجزائر أوقاف دينية منقوضة العقود، مهدومة الحدود، وفي الجزائر مشرّدون شبعوا بالجوع، واكتسوا بالعري، وعلموا بالجهل، وتداوَوا من المرض بالمرض، واستجاروا من الموت بالموت فأجارهم، فلا هم أحياء ولا هم أموات، وفي الجزائر أصوات تتصاعد بطلب الحق، من فرنسا غاصبة الحق، وفي الجزائر تشكو آخر كلمة في اسمك من أول كلمة، وقد سمعت- أيتها اللجنة- ورأيت فلماذا لم تقع عينك على الشر القريب، ووقعت على الشر البعيد؟ ولماذا لم تعطفي على الإسلام هنا، وعطفت عليه هناك؟ ولماذا لم تبدئي بتحرير أوقاف الإسلام في الجزائر، وبدأت بوقف (أبي مدين) في فلسطين، أم أن قلب المستشرق كالإبرة الممغطسة لا تتجه إلا إلى اتجاه واحد وهو الشرق؟

لا ندري أين كان هذا المستشرق يوم شاركت دولته في جريمة فلسطين، وإخراج الإسلام منها، بموافقتها على التقسيم، وبمساعدتها المفضوحة لليهود في الهجرة والتهريب؟

إنه كان ساكتًا سكوت المغتبط بتلك الأدوار، لأن الإحساس المتنبّه فيه إذ ذاك هو إحساسه الفرنسي الحاقد على الإسلام، فلما تمّت الأدوار، وبلغت نهايتها، وعلم أن اليهود سيأخذون المسالك على دينه ودولته- معًا- تنبّه إحساسه المسيحي الحانق على اليهود، فجاء يُعزّي المسلمين البسطاء تعقلة الشامت، ويبكي لهم على ليلاهم، ودولته أحد المساعدين على قتلها، وجاء ينبّه دولته إلى أن هناك منفذًا تدخل منه إصبعها إلى فلسطين (القريبة من سوريا) وهو وقف (أبي مدين الجزائري)، وأن هناك فرصة تسترجع

<<  <  ج: ص:  >  >>