للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاءت الحرب ... وخفتت الأصوات، فاستعلنت النيات، وتعطّلت الأعمال، فانطلقت الآمال، وكمَّت الألسنة، فأفصحت الإشارات، وهدأت الخلافات فتقاربت القلوب، إلى أن جاء الحلفاء وعلى ألسنتهم أغان عن الحرية ينشدونها، وعلى شمائلهم معان من الديمقراطية يردّدونها، وفي نفوسهم أمان للأمم يعدون بها ويعددونها، فحنت النفوس إلى الحرية، وجرَت الألسنة بالمطالبة بها، وظن الجزائري الذي شارك في الحرب بماله وبحاله وبمهجته- كما ظن كل الناس- أنه واصل إلى مراده، ومتقاض أجر جهاده، وأن الحرب- وهي نار- نقّت القلوب من الدغل، ولكن الاستعمار كان كعقرب الشتاء، تحس وإن لم تتحرّك، فسجّل تلك الأصوات المطالبة بالحرية، وأسر المكيدة في نفسه إلى يوم النصر الأخير، وأتى بها شنعاء صلعاء في حوادث ٨ ماي ١٩٤٥، وانطوى اليوم الذي أرّخوا به لانتصار الديمقراطية، بتسجيل أكبر انكسار للديمقراطية، وشاء القدر الواعظ أن يدخل الضّيفان الحاملان للواء (١) الديمقراطية إلى الجزائر، وفي كل مسمع نغمة من الحرية، وفي كل جانحة نشوة من الانعتاق، وفي كل ناد ذكر من الديمقراطية، وأن يخرُجا منها وفي كل حيّ مأتم (٢)، وفي كل بيت نادبة.

هذه أربع شهادات يشهدن أن الخامسة اختهن ...


٢) الضيفان الحاملان للواء: هما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا اللتان نزلت قواتهما في الجزائر في نوفمبر ١٩٤٢.
٢) إشارة إلى حوادث ٨ مايو ١٩٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>