للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغابرين، وهي بقايا المزايا السامية من الدين المحمدي، ولولاها لختم به تاريخ طسم وجديس وعاد الأولى، ولو أن ما حلّ بهذه الأمّة حلّ أيسره بأمة أخرى، لانعكست فيها نظرية "داروين" ...

ابدأ بما شئت، واختم بما شئت، من النُظم والقوانين التي تُساس بها الجزائر، تجدها كلّها دائرة في مبادئها وغاياتها على محور واحد، وهو احتقار المسلم الجزائري وبغضه، وانظر ما شئت في أعمال الحاكمين كبارًا وصغارًا، وفي ملابساتهم للناس، وفي شمائلهم، تجد الأعمال مفسّرة لذلك، والملابسات حتى في الحديث جارية على ذلك، والشمائل ناطقة بذلك.

هلمّ إلى الدين تجد الاستعمار الذي كفر بالأديان يقول لك بصريح القول والعمل: أنا أحق منك بالتصرّف في دينك، فلا تدخل المسجد إلا بإذني ولا تُصَلِّ إلا من وراء إمامي، ولا تحجّ إلا برخصتي، ولا تصُمْ إلا على رؤيتي، ولا تزكّ إلا بعد استشارتي، ولا تضع زكاتك إلا حيث أريد لا حيث تريد، ومعنى هذا كله نسخ آية من القرآن، بآية من وحي الشيطان، ولم يبق إلا أن تتلوها كما يريد، "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للاستعمار" وكذب الشيطان الرجيم، وأفك الاستعمار الذميم.

ثم ارجع البصر في الدنيا وقوانينها التي يسوسنا بها الاستعمار، تجد ذلك المعنى لائحًا في كل حرف منها، فائحًا من كل كلمة من كلماتها، واضحًا في كل تأويل من تأويلاتها، بيّنًا في كل تطبيق من تطبيقاتها؛ انظر إلى قوانين الانتخاب- وهو عصب الحياة وسلاح الدفاع- تقع أول نظرة منك على احتقار مفضوح بشواهده، وهو وجود صندوقين لأمّتين، لم تقعد بأولاهما قلّتها، ولم تغن عن أخراهما كثرتها، ولا معنى لذلك إلا وجود طائفتين: سيدة ومسودة، ثم انظر إلى التفاصيل في الكم والكيف والإجراءات، وتحكم الإدارات في الإرادات تجد تصداق ما قلناه كالشمس ليس دونها حجاب، ثم انظر إلى قوانين التعليم- وهو سر الحياة وإكسيرها- تجد الاحتقار والبغض ماثلين في كل جولة طرف. يقول المسلم الجزائري للاستعمار: علّمني، فيقول: لا، ويقول له: دعني أتعلّم وحدي ما يقومني، فيقول: لا، ويقول له: دعني أعِنْك على التعليم العام، فيقول: لا. وتبقى الرابعة بينكما، لا يمنعك من قولها إلا الرهبة منه، ولا يمنعه من قولها إلا احتقارك أيضًا ... ولو قالها لكانت ترجمتها: لا أعلمك لأنني أحتقرك وأبغضك، ولا أدعك تتعلّم وحدك، لأنني أحتقرك وأبغضك، ولا أدعك تعينني لأنني أحتقرك وأبغضك.

وتعالَ إلى القوانين الجنائية- وهي مظهر المساواة فيما يزعم الاستعمار- تجد الألفاظ واحدة، والتطبيقات مختلفة: يجني الجانيان منا ومنهم جناية متماثلة الكم والكيف والظروف

<<  <  ج: ص:  >  >>