إن الحاكم إذا لم يكن له ضمير يردعه، ولا قانون يزعه، ولا رقيب يمنعه، ولا حسيب يذوده عن الظلم ويدفعه، رجع إلى الغرائز الإنسانية الدنيا، فدفعته إلى المحاباة والعنصرية، فكان على يده ضياع العدل أولًا، وضياع قوّته التي يستند إليها ثانيًا، وكم أهلك الظلم من أمم، وتلك هي سريرة الاستعمار، وتلك هي جريرته التي يأخذه الله بها، {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.
...
والرقابة الفعّالة في هذا الزمن الذي وصل طرف الحضارة الأخير بطرف البداوة الأول ... وردّ الإنسان إلى غرائز الحيوان، تكاد تنحصر- في مظهرها- في النيابة والصحافة، فقد أصبحت النيابة في الأمم التي رسخ فيها نظامها، وبُنيت حياتها عليها، رقيبًا عتيدًا على الحكومات وعلى الحكّام، وأصبحت الصحافة بجانبها حسيبًا مرهوب الصولة، يقرع النفوس بتحذيره ويخلع القلوب بتشهيره، فإذا جرتا إلى غاية واحدة كانتا ملاذًا للمظلوم، تقومان بنصره، وملجأً للملهوف، تسرعان إلى غوثه، وملتحدًا للضعيف تأخذان بيده، ولكن ... إذا أفسدت المطامع النوّاب، وأفسدت العنصرية الصحافة فعلى العدل السلام.