للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعرشى المغربى همّك من عرش، زُرّتْ أزرارُه على إدريس في الأولين، وعلى الأباة بني عليّ في الآخرين، فرست أواسيه في طينة الشرف الأرفع، وبسقت أفنانه في جوّه الصافي الأنصع ... وأوطأ متونه، ذوائب لمتونه (١)، ومدّ تمتانه (٢)، على واحد هنتانه (٣)، وأرّث الإرين (٤)، بمساعر مرين ... همك من عرش مدّ ظلاله على المغارب أحقابًا، وأطت رحاله على عتبات برقة مرات، فإذا شاركنا إخواننا في البشرى، بعيده، فإنما نفي بعهد قلّ الأوفياء به؛ وننعم بخيال طاف طائفه بنفوس مترقبة لمسراه، متعرضة لمجراه، وما زال الطيف كالضيف محببًا إلى الكرام، مبغضًا للّئام.

...

ومن حكم الله في هذا العرش أنه لم يزل حارسًا للغة الضاد من الأضداد، حاميًا للدين من المعتدين، ولم تزل في مقتعديه أمثال مضروبة في النضح عن الإسلام والعروبة؛ اختلفت بها الأنساب بين يعرب ومازيغ، ولم تختلف بهم الأسباب في رعاية العلم وتقدير البيان، فكم ولدت دُوَلهم من أعلام في الأدب والبيان، ونوابغ في الفقه والتشريع، وأساطين في الفلسفة والحكمة، وأثبات في التاريخ والخبر.

...

وما زلنا ننكر على المسلمين في زمننا هذا، إقامتهم لهذه الاحتفالات؛ ونعدها عليهم في باب المجانة واللهو؛ ونقول: إن معظمها محاكاة لا تأتي بفائدة، وتقليد للأقوياء لا يعود بعائدة، وأنها تتنافى مع الجد والشهامة، وتلهي عن الواقع والواجب، وأن الأليق الأشبه بنا عقد مناحات نندب فيها الجدود العاثرة، والأشلاء المتناثرة؛ ولكننا حين نصل إلى هذا النوع الذي ينبه ويوقظ، ويحرّك الذكرى الكامنة، ويثير القوة الخامدة، ويذكّر بالماضي من الأعمال والرجال، ويدعو إلى التأسي بالعاملين، نسلم أنها دروس تلقى على الجاهلين، وأمثال تضرب للمأخوذين الذاهلين؛ ونؤمن بأنها تاريخ يحيا، وأجيالٌ تنشر، وأعمالٌ تبعث، وما أحوج الأمم الغافلة، النازلة بالسافلة، المنقطعة عن القافلة، المشغولة عن الفرض بالنافلة، إلى أمثال هذه الدروس الحافلة.

...


١) لمتونة قبيلة بربرية عظيمة تتفرع إلى بطون وأفخاذ ومن فروعها دولة المرابطين الملثمين.
٢) التمتان الحبل الذي تشد به الخيمة أن تسقط.
٣) هنتانة قبيلة أخرى وواحدها هو الشيخ أبو حفص عمر بن يحى بن عبد الواحد أحد أصحاب المهدي بن تومرت وجد الملوك الحفصيين ملوك تونس.
٤) الإرين جمع إر، وهي النار أو موضع إيقادها.

<<  <  ج: ص:  >  >>