للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن آيات بغض الاستعمار لكلمة العروبة ونفوره منها، أنه لا يريد أن يعترف بأثر من آثارها الطبيعية من تراحم وتعاطف، فهو في محنة المغرب الأقصى الأخيرة، وما أثارته من غضب العرب وسخطهم وإجماعهم على الاستنكار، لا يَرُد ذلك إلى مردّه الطبيعي، وهو التعاضد الجنسي، وإنما يردّه إلى شيء آخر تنكره روح هذا العصر المنافق، وهو التعصّب الديني، كلّ ذلك ليبعد عن خواطره- ولو بالتوهّم- خيالَ العروبة مجتمعة الشمل، متصلة الأسباب، موصولة الأرحام، معلنة لعروبة الشمال الافريقي، وتُعمي الأهواء عينيه على حقيقة مجردة، وهي أن حظّ العرب المسيحيين في مصر والشام من التألّم لمحنة المغرب الأقصى، لم يكن أقلّ من حظ إخوانهم المسلمين.

إن الاستعمار- على ذلك كله- ليعرف عروبة هذا الشمال ويعترف بها، ولكنه ممن يكتمون الحق وهم يعلمون، فقد احتلّ هذا الوطن فكانت أقواله في الحرب والسلم، وأحكامه في العدل والظلم، كلها جارية بأنه عربي، وعلى أنه عربي، وكلمة العرب Les Arabes التي يطلقها على أهله تمييزًا أو نبزًا أكبر حجة عليه، ولكنه في مبتدإ أمره ومنتهاه رجس من عمل الشيطان، وهل في عمل الشيطان خير أو حق؟ إنما هو عناد للحق، وتزيينٌ للباطل، ونقض للخير، وبناء للشر، وما شاء الشيطان من النقائص.

<<  <  ج: ص:  >  >>