الإعجاب بالكواكب إلى عبادتها، والآخرون قادهم إلى استعمارها، والإسلام كذب الأولين، وسيسفِّه الآخرين ...
...
ما زالت فيك- يا شرق- ملامح من الخير، ومخايل من الفضيلة، ومشابه من عبقرية العقول التي حلّت مشكلات العلم، ووسّعت آفاق المعرفة، وخطّت خطوط الفن الأولى، ومن الأرواح التي اتّسمت بالطهر، واضطلعت بالأمانة، وعبرت البرزخ الإنساني إلى أفق الملائكة، فساوق نغمها بكلام الله زجلهم بتسبيحه، فاتسق منهما إيقاع حدَتْ به ركب الإنسانية إلى منابع الخير، ومشارع الحق، ومراتع الجمال، ثم ... إلى الجنّة.
يا شرق، فيك من كل مكرمة عرق، فاجْر على أعراقك الكريمة، ففي تربتك نبت الإيثار والتضحية، ومن أرضك انبجست الرحمة والرفق، ومن آفاقك هبّت النجدة والغوث، وعلى أديمك دبّت النبوّة والحكمة، ومن سمائك تنزّلت البيّنات الفارقة بين الهدى والضلال، وعنك أخذ الناس المكارم والمراشد، ومنك امتاروا أغذية الأرواح، واستبضعوا طرائف العلم
...
آسِ جراحنا، وإن كنت مثخنًا من ملوكك المغرورين، وكبرائك المفسدين وعلمائك الضالين، بألف جرح؛ فلا يحزنك أنهم عقّوك وشقّوك؛ ولا يقعد بك عن أداء رسالتك أنهم أضاعوك وباعوك، وأنهم أكلوا خيرك، وعبدوا غيرك، ولا يرعك أن على كل فَنن من دوحتك ديكًا منهم يدلّ الثعلب بصياحه، وغرابًا يجلب الشؤم بنعيبه، فامض على نهجك، ودعهم للزمان الذي يقيم الأمت، ويقوّم السمت؛ ولا تبال أيةً سلكوا، ولا بأي واد هلكوا؛ فما هم من النسبة إليك في الصميم المهذّب، وإنما هم دخلاءُ تغرّبوا، ونبيط تعرّبوا، وفي كنائنك من الشباب من يتجافى عن دَدِه، لتعمير غدك بغده، ومن الكهول من فُرّ عن تجربة، وخلص تبرًا من أتربة، ومن الشيوخ من سلخ عمره لحماك حارسًا، ووقف دهره لسرّك دارسًا؛ فاستعدِ هؤلاء على أولئك، وكاثر الضالين بالمهتدين، وارْم البطان الفجرة، بالعجاف البررة، ترْم الخبيث بالطيب، وتغسل الدرن بالصيب، وإذًا لا يلبثون فيك إلا قليلًا.