نأسى عليك يا شرق أن تتقاذفك الأقدار، فتنقلب من عبادة الأصنام الحجرية، إلى عبادة الأصنام البشرية، فمتى تنهض بمن يكسر هذه في الآخرين، كما كسر محمد أخواتها في الأولين؟
...
أناديك: داوِ الكلوم، وقد فعلتَ، فأنعشت نفسًا ظامئة إلى ريِّك وريَّاك، متطلعةً إلى سهيلك وثريّاك، وإياي أعني، فقد كنت في هذا العيد الأخير على الحالة التي وصفتها صادقًا في كلمة العدد الماضي، من ضيق النفْس، وحرج الصدر، والامتعاض لحالة المسلمين، وظهوري بين الناس بوجه ضاحك ووراءه قلب حزين، فجاءني الشرق أو جادني بما كانت مواقعه مني (مواقع الماء من ذي الغلة الصادي).
أثقل ما يعرض لنفس الحرّ شيئان: أن يحزن والناس كلهم في فرح، وأن ينقبض وهم جميعًا في مرح؛ وكذلك كنت في أيام العيد الماضي، لولا نفحات من الشرق، آمنت معها بكل ما كان يزعمه الشعراء لنسيم الصبا من آثار ...
خلصتْ إليّ من إخوان الصدق في الشرقين، رسائل تحمل التهنئة بالعيد، بأسلوب جديد، غير ذلك الأسلوب الرثّ المبتذل الميت الذي عرفناه وألفناه، ولكنه يُفشي اليقظة ويصف الداء والدواء، ويجمع الأمل والعمل، ويسمو بالفكر والروح، ويربط الكاتب والقارئ بشعور واحد، ويعدي نفسًا من نفس، فكأنما مسّتها منها كهرباء، ويفيض كل لفظ منه بمعاني الاتصال الروحاني، فتحسّ النفس المكروبة أن لها من أختها مؤنسًا في الوحدة، ومعينًا على الشدّة، ومثبّتًا عند زيغ الأبصار وزلزلة الأقدام، وكذلك كنت بعد وصول رسائل التهنئة إليّ من جدة والمدينة والموصل وبغداد وباكستان ودمشق وبيروت والقاهرة والهند وجاوة، فكنت أقرأها تهنئة، فأجدها تسلية.
سلم جناحاك يا طائرة البريد، وبلغ قائدك ما يريد، ووُقيت شرّ العواصف الهوج، والفُجاءات الموبقة، وسلكت من السماء سبلًا، معبّدة ذللًا، فلولاك ما وصلت النجدة في حين الحاجة إليها، وقد سمعنا بنقلك الشفاءَ إلى مريض البدن، في ساعة من الزمن. أأنتِ كذلك مع مرضى الأرواح؟ ...
وحيّا الله أولئك الإخوان على بعد الدار، لكأنهم علموا أن على الجانب الغربيّ رجلًا يهتم بهم أبدًا، فاهتمّوا به يومًا، ولكنّه يوم كألف سنة، فأزاحوا عن نفسه، همًّا ناصبًا، وجاءوه بفن من الترويح تواطأوا فيه على نهج، فكأنهم استملوه من لسان واحد، وكأنهم علموا البلوى، فجاءوا بالدواء ومعه السلوى، وخصّ الله بتحياته المباركة أولئك الذين زادوا