لشيء تقادم، ولا يكون الإصلاح إلا لشيء فسد، فالتجديد والإصلاح وصفان عارضان والشيء في ذاته هو هو.
ولا تعجب إذا كانت النهضة شملت الأزهر نفسه، فما هو إلا من الكوائن الفاعلة المنفعلة، ولوم يغربل التاريخ هذه النهضة، فيأخذ منها ويدع، ويثبت من جملها ويمحو، فإننا لا نجد فيها إلا الأزهر وآثاره، وروح مصر وطبيعتها، ولسان العرب وبيانهم، وفضيلة الشرق وتقاليده، وهداية الإسلام وآدابه، ومثله العليا المتجلية في حقائقه التي سار العالم على نورها أحقابًا فما ضلّ وما غوى، وستذوب الأجزاء الغريبة الصالحة في هذا الكل الطبيعي فتصبح جزءًا من ماهيته، وستنفى الأجزاء غير الصالحة كما ينفي الجسم الصحيح جراثيم المرض.
...
لست أنكر تلقيح أدبنا بالآداب الراقية، ولا تطعيم حكمتنا بالحكم الحية. فلا الإسلام السمح يأبى لنا ذلك، ولا الحياة الدائبة تستغني عن ذلك، وقديمًا فعلنا ذلك، وحديثًا تفعل الأمم ذلك، ولكن قبل الربح تجب المحافظة على رأس المال، ولست أنكر على الأزهر أن يجاري الأحياء في الحياة، وأن يزاحم عليها، بل أرى من الواجب عليه أن يزاوج بين علوم الدين وبين علوم الدنيا، وأن يهيّئ أبناءه ليكونوا عقبان جوّ، وسباع دوّ، وأن يكونوا أحلاف حرب وأحلاس محاريب، وأن يكونوا دعاةً أجرياء إلى دينهم الحق، وأدبهم الحي، وفضائلهم الروحية وأن يعرفوا أنفسهم، ثم يتعارفوا، ثم يتعرّفوا.