للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقفوت في الكتابة آثاره، فلما كثرت الدروس وساويته في عددها أو كدت تبلَّد طبعي وجمد فكري وجفّت قريحتي وجاءت النتيجة معي بالعكس، فعلمت أن كثرة الدروس قد تكون مددًا يمد، وقد تكون سدادًا يسدّ وعوائق تصدّ.

فاسمعوا أيها الإخوة، كلامًا موضوعه ابن فكرة وانشاؤه ابن فكرة، فإن جاد فمنهما وإن قصر ففي قصر الوقت شافع للتقصير.

أيها الإخوة الأعزاء،

إن الإصلاح العلمي هو ناحية من نواحي الإصلاح الكثيرة التي يجب أن تعطيها جمعية العلماء المسلمين فضل اهتمام واعتناء، ولو لم يحدث من الحوادث ما جعل اتجاه الجمعية إلى الإصلاح الديني أقوى لكان الإصلاح العلمي أول ما تعالجه، وتبذل فيه جهودها لأنه ألصق باسمها وأكثر ارتباطا بحرفة رجالها، ويكفينا دليلًا على خطر الإصلاح العلمي وقيمته ان أكبر عناصر الإصلاح الديني الذي لا يمتري في لزومه عاقل يستمدّ قوّته من شيء يسمّى علمًا ومن أشياء تسمّى علماء، وقد سمعنا بآذاننا من يقول وقرأنا لمن يقول: إن الرجوع إلى الكتاب والسنّة ضلال مبين، ولمن يقول: البدع الدينية والعوائد الدينية. وهو مع ذلك معدود في العلماء على رغم أنوفنا، وقوله هذا معدود في العلم على رغم أنوفنا، وإذا كانت هذه الأقوال من العلم فمن العلم أيضًا أن تؤول ظواهرها إذا لم ترق لكم بواطنها، ولا يزال ظهر التأويل ذلولًا عند هذه الطائفة، فأما أن لا نعد تلك الأقوال من العلم ولا نعد أصحابها من العلماء فأمر لا يسلمه لنا كثير.

إن تقديم الجمعية للإصلاح الديني على الإصلاح العلمي ضرورة اقتضاها طغيان الفساد في العقائد حتى أصبح من آثاره اللازمة التزهيد في العلم. وليس معنى هذا أن الجمعية لم تحم حول الإصلاح العلمي. فدروس رجالها واسلوبهم في دروسهم، كل ذلك أمثلة من الإصلاح العلمي ونهج جديد نهجوه له وطريقة تحتذى فيه، وإنما نريد أن المظهر الممتاز الذي ظهرت به الجمعية وتجلّت آثاره واشتهرت أخباره حتى غطّى على جميع مقاصدها هو الإصلاح الديني، وقد تكون دواعيه طبيعية ومنها ما أسلفناه.

وقد يظن الظانون وتنطق ألسنتهم بهذا الظن، أن هذه المنكرات التي نحاربها ونشتدّ في حربها هي قليلة الخطر ضعيفة الأثر، وأننا غلونا في إنكارها وأنفقنا من الأوقات والجهود في حربها ما كان حقيقًا أن يصرف في ناحية أخرى أهم كالإصلاح العلمي.

وفات هؤلاء الظانين أن من اللوازم القريبة لتلك المنكرات التي تشتدّ الجمعية في محاربتها التزهيد في العلم وإفساد الفطر وفشل العزائم وقتل الفضائل النفسية وإزالة الثقة بالنفس من النفس، وتضعيف المدارك وتخدير المشاعر وهي رذائل لا تجتمع واحدة منها مع ملكة علمية صحيحة فكيف بها إذا اجتمعت.

<<  <  ج: ص:  >  >>