للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكان من الحكمة أن تبتدئ الجمعية بتطهير النفوس من هذه الرذائل، وأن تجعل من صرخاتها عليها نذيرًا للناشئة أن تتلطخ نفوسهم بشيء من أوضارها، وأن تكون دروس رجالها مؤدية لغرضين: لغرض الإصلاح العلمي بأسلوبها ولغتها ومناهجها ونوع كتبها، ولغرض الإصلاح الديني بمعاليها ومواضيعها، حتى إذا تهيأت لها الأسباب لدراسات منظمة في مدارس منظمة وجدت نفسها وقد فرغت من وسيلة من أعضل الوسائل وأعصاها على العلاج وهي إعداد النفوس لانطباع الملكات العلمية الصحيحة فيها.

وإذا كان الإصلاح العلمي بمعناه العام المتعارف- وهو اختيار أقرب طرائق الإلقاء لذهن المتعلم واختيار أقرب الكتب لأداء المعنى الصحيح ولفهمه وتدريبه على تطبيق النظريات على العمليات- إذا كان هذا الإصلاح لم يتم في مصر وتونس- وحالهما غير حالنا- وهما تملكان من الوسائل لذلك ما لا نملك، وتتصلان من النظام والإدارة بما لا نتصل به- مع صراخ المتعلمين وإلحاحهم ومناداتهم بضرورة الإصلاح ومؤاتاة روح النظام العصري لهم- فكيف يتم لنا شيء من ذلك ونحن قليل مستضعفون، لا نملك بعد الاعتماد على الله إلا ثقتنا بأنفسنا وأبناء بررة من شبابنا الصالح المرجو للصالحات المدخر لحمل راية الإصلاح بعدنا، المرشح لاقتحام ميادينه الذي لم يفسد التعليم القديم الجاف عليه أمرهُ ولم يخدش ملكاته، ومع ذلك فقد استطعنا أن نخطو في الإصلاح العلمي خطوات واسعة وأن نلفت الأنظار إلى عملنا القليل.

وأمامنا سبيلان ستتخذهما الجمعية من وسائلها لغايتها من الإصلاح العلمي، أولهما: مؤتمر سنوي تعقده بالعاصمة العلمية مدينة قسنطينة يحضره كل القائمين بالتعليم من أعضائها العاملين، فتتبادل الآراء وتتلاقح الأفكار وتستفيض المباحث عن أصول التربية والتعليم وأقوم طرائقهما، وعن الأساليب والكتب التي تجمع بين العلم والعمل، وسيكون من نتائج هذا المؤتمر توحيد التعليم، وهو الرغبة التي لم تزل مناط آمال المصلحين بهذا الوطن.

وثانيهما: عكاظ علمي سنوي تقيمه في مدينة الجزائر على أثر اجتماعها العام، وتمتد أيامه إلى ما فوق الأسبوع، ويلقي كل أعضائها العاملين محاضرات ليتمرّنوا على الخطابة في مواضيع الدعوة والإرشاد.

وسيعمل المجلس الإداري لوضع نظام مفصّل لهذين المؤتمرين، فإذا تمّ لنا ما نريد منهما، ووفّقنا لتحقيقهما كانت الغاية منّا قاب قوسين أو أدنى.

أيها الإخوة الأعزاء،

عرض الحالة العلمية يتوقّف على مقارنة دقيقة بين الماضي والحاضر، وهذه المقارنة قد تشق على المؤرّخ الذي نريد أن يكون دقيقًا في مقارناته، فيستقي الحاضر من الواقع المشاهد ثم يرتقي السلّم ليشاهد القرن الثالث عشر آخره وأوله، والثاني عشر كذلك، فلا يجد من

<<  <  ج: ص:  >  >>