للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومروياتي وكل مالي من مقروء ومسموع من كل ما تضمّنه ثبتي ... إلخ. فقلت له: أنا شاب هاجرت لأستزيد علمًا وأستفيد من أمثالكم ما يكملني منه، وما أرى عملكم هذا إلا تزهيدًا لنا في العلم، وماذا يفيدني أن أروي مؤلفاتك وأنا لم أستفد منك مسألة من العلم؛ ولماذا لم تنصب نفسك لإفادة الطلّاب، فسكت، ولم يكن له- رحمه الله- درس في الحرم، وإنما سمعت من خادم له جَبَرْتي أنه يتلقّى عنه في حجرته درسًا في فقه الشافعية.

وكان بعد ذلك يُؤثر محلي على ما بيننا من تفاوت كبير في السن، وتباين عظيم في الفكرة. رحم الله جميع من ذكرنا وألحقنا بهم لا فاتنين ولا مفتونين.

أما أولئك السلف الأبرار فعنايتهم بالرواية والرجال راجعة كلها إلى الجرح والتعديل اللذين هما أساس الاطمئنان إلى الرواية، وقد تعبوا في ذلك واسترحنا، وما قولكم- دام فضلكم- لو فرضنا أنّ محدث القرن الرابع عشر ومسنده عبد الحي عُرض بعجره وبجره على أحمد بن حنبل، أو على يحيى بن معين، أو على عليّ بن المديني، أو على مَن بعدهم من نقّاد الرجال الذين كانوا يجرّحون بلحظة، ويُسقطون العدالة بغمزة في عقيدة، أو نبزة في سيرة، أو بغير ذلك مما يُعدّ في جنب عبد الحيّ حسنات وقُرُبات، فماذا نراهم يقولون فيه؛ وبماذا يحكمون عليه؟ خصوصًا إذا عاملوه بقاعدة (الجرح لا يُقبَل إلا مفسَّرًا).

...

وبعد، "فقد أطال ثنائي طول لابسه" (٧) فليعذرنا عبد الحيّ، ووالله ما بيننا وبينه تِرَة ولا حسيفة؛ ووالله ما في أنفسنا عليه حقد ولا ضغينة، ووالله لوددنا لو كان غير من كان، فكان لقومه لا عليهم، وإذًا لأفاد هذا الشمال بالكنوز النبوية التي يحفظ متونها، ونفع هذا الجيل الباحث الناهض المتطلعّ بخزانته العامرة، وكان روّاد داره تلامذة يتخرّجون، لا سيّاحًا يتفرّجون؛ وعلماء يتباحثون، لا عوام يتعابثون، ولكنه خرج عن طوره في نصر الضلال فخرجنا عن عادتنا من الصبر والأناة في نصر الحق، وجاء يؤلب طائفة من الأمّة على مصالح الأمّة، فهاج الأمّة كلها، وهاج معها هذا القلم الذي يمجّ السمام المنقع، فنفث هذه الجمل، وفي كل جملة حملة، وفي كل فقرة نقرة، فإن عاد بالتوبة، عدنا بالصفح؛ وان زاد في الحوبة، عدنا على هذا المتن بالشرح، ولعلّ هذا الأسبوع هو أبرك الأسابيع على الشيخ، فقد أملينا فيه مجالس في مناقبه جاءت في كتيّب، سميناه- بعد الوضع- "نشر الطيّ، من أعمال عبد الحي"، فإنْ تاب وأدناه، ووفينا له بما وعدناه، وإلا عممناه بالرواية، وأذنَّا لعبد الحي في روايته عنا للتبرّك واتصال السند، وهو أعلم الناس بجواز رواية الأكابر عن الأصاغر.


٧) شطر من بيت للمتنبي تمامه: إن الثناء على التنبال تنبال.

<<  <  ج: ص:  >  >>