للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا يفوتنا تسجيل منقبة جديدة للأخ خطاب. فقد جرى- أيام زيارته لنا بالجزائر في الشهر الماضي- ذكر مدرسة ندرومة العظيمة التي شيّدت في هذه السنة بمساعي رئيس جمعية العلماء، وجهّزت منها خمسة أقسام، والعزائم معقودة على تشييد عشرة اقسام أخرى في السنتين الآتيتين. فذكر رئيس الجمعية دارًا ملاصقة للمدرسة، يملكها رجل ندرومي مقيم في المغرب، تصلح أن تضاف إلى المدرسة وتخصّص للبنات. فهزّت الأريحية هذا المحسن الأصيل، وتعهّد أن يشتريها من صاحبها- وهو صديقه- ويدفع ثمنها من ماله، ويهبها للمدرسة، مشاركة لأهل ندرومة الكرام فيما بنوا للعلم وشادوا.

...

إن الكاتب لتراجم الرجال، والمسجل لأعمالهم، معرّض للمبالغة وشهادة الزور فيما لهم وما عليهم؛ فقد يضفي عليهم أوصاف الكمال وهم عراة منها، وقد يجرّدهم منها استرسالًا مع الهوى، إلا الكاتب في تراجم المحسنين للعلم، والباذلين للصالح العام، فإنه مجبر على الاتصاف بالإنصاف، جبرًا لا اختيار معه؛ وكلما هم بزيغ أو جرى مع الهوى لفّه الإحسان بعجاجته، ورجع به إلى الإنصاف مكرهًا، ولإحساس العرب بتأثير الإحسان وسلطانه نحلوه صفات الملك والاستعباد.

وأخونا محمد خطاب من طراز يقل وجوده في الأمم، لا سيّما في مثل أمّتنا التي أفسد الجهل تربيتها، وأنساها حقوق الأخوّة، وحقوق الوطن، وحقوق المجتمع، فوجود رجل مثله فيها يكون حجة لها، وحجة عليها، وقد وُجد في زمن تأكّدت فيه حقوق المجتمع على علمائه وأغنيائه، وأشقى الأمم أمّة يجبن علماؤها، ويبخل أغنياؤها، وأشقى منها أمّة تغلط في موازين الرجال، وتضلّ عنها مواقعهم، وما يضلّها عنهم، وما يضلّهم عنها إلا المجرمون الغشاشون المتشبّهون بما ليس فيهم. وما أكثرهم في أمّتنا! ...

...

ونحن ممن لا يجازف بكلمة الوطنية، ولا يعبث بها، فيضعها في غير مواضعها، وينحلها حتى للخائنين بقصد، والخائنين بجهل؛ ولكننا نشرّفها ونضعها في المكان اللائق بها. وعندنا للوطنية موازين. فالوطني كل الوطني هو الذي ينفع وطنه بعمل، وأبناءَ وطنه بعلم: فالعامل المبرّز في الاقتصاد، المزاحم للغريب عن خيراته، الذائد له عن موارده وطني كامل الوطنية، وهذه الجيوش المرابطة في ثغور المدارس من المعلمين الذين ينزعون العصي من أيدي أبناء الأمّة، ويضعون فيها الأقلام، هم الوطنيون الصادقون؛ وهذا الفلاح المتقن

<<  <  ج: ص:  >  >>