ولأخينا خطاب في إحسانه إلى التعليم فلسفة دقيقة تزيد في قيمته، وهي أنه لا يضع إحسانه إلا حيث يعتقد أنه يفيد وينفع، ولا يضعه إلا في الأيدي التي تحسن تصريفه، احتياطًا للإحسان أن يضيع في غير مفيد للأمّة، لأن لكل عمل ظواهر تغرّ، ودجلةً يستغلون، ولكل صاف من الحق مكدرات من الباطل، وهو يرى- مصيبًا- أن حركة جمعية العلماء هي أصدق الحركات القائمة بهذا الوطن. وأن رجالها هم أخلص الرجال العاملين لخير الوطن. وأن مبدأها هو أثبت المبادئ النابتة بهذا الوطن؛ لذلك آثر- من سنوات- أن تكون مبرّاته المالية للعلم والتعليم على يدها، فنذر مبلغًا من المال يدفعه مسانهة لرئيس جمعية العلماء، وهو يوزّعه- بالاتفاق مع المحسن الكريم- على أقرب وجوه التعليم إلى النفع، وقد كانت المبرّة في هذه السنة مضاعفة، وكان النفع بها مضاعفًا، نال منها معهد ابن باديس مائتا ألف فرنك، ومدرستي تونس لسكن الطلبة مائة وتسعون ألف فرنك، ومدرسة خطاب بالميلية (مسقط رأس المحسن) مائتا ألف فرنك، ونال جمعية بعثات جمعية العلماء إلى تونس مائة ألف فرنك وصلتها على أقساط، ومدرسة الفلاح بوهران خمسون ألف فرنك، ومدرسة الأمير عبد القادر بمعسكر خمسون ألف فرنك، وجريدة «البصائر» مائة ألف فرنك.
أما مدرستا تونس لسكن الطلبة فهما داران اكترتهما جمعية العلماء لتشارك بهما في تخفيف أزمة إسكان الطلبة وأوكلت التصرّف فيهما لوكيلها الأستاذ الشيخ الشاذلي بن القاضي. وقد كانت الجمعية تدفع ثمن كرائهما في كل سنة، ولكنها في هذه السنة وقعت في ضائقة سببها استنفاد المعهد الباديسي لجهودها المالية، فتأخّر دفع قيمة الكراء عن أجله أشهرًا، ولما علم بذلك هذا المحسن الكريم التزم أن يضاف إلى المبرّة ثمن كراء الدارين وقدره مائتا ألف وأربعون ألف فرنك للسنة، ليخفّف بذلك حملًا ناء به صندوق الجمعية، وليمهّد لها سبيل التفرّغ لمشاريعها الكثيرة.
وقد طلب هذا المحسن الكبير من رئيس جمعية العلماء أن يضع له قائمة جديدة بالمشاريع التي تدخل في المبرّة للسنة المقبلة، فوقع الاتفاق بينهما على المشاريع الآتية: مدرسة الفلاح بوهران، مدرسة الأمير عبد القادر الناشئة بمعسكر، مدرسة قنزات، مدرسة وجامع حيّ "سانت أوجين" بالجزائر، مدرسة وجامع حي "بيلكور" بالجزائر، وسينال كل مشروع حظه من المبرّة في شهر سبتمبر الآتي إن شاء الله.
مدّ الله في عمر الأخ الكريم، وزاده من فضله وخيره، وأسبغ عليه أردية الصحة والعافية، وجعله قدوة في الصالحات، وكفاه كيد الكائدين، وحسد الحاسدين.