للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لذلك كله امتدّت إقامتي في القاهرة إلى تسعة أيام، وأحمد الله على أنها كانت عامرة بالفوائد، وما تسعة أيام في جنب القاهرة إلا كتسع ثوان، وإن لنا في مصر لمآرب لا تقضى في الأيام، وإن لنا فيها لبعثة لم تزل نواة فهي تنتظر السقي والتعهد، ومكتبًا لم يزل ضيّقًا فهو ينتظر التوسعة والتنظيم، وإن لمصر علينا- بعد ذلك وقبله- لحقوقًا وحقوقًا توجب علينا الاتصال، ما وسع الوقت والحال.

أما اختياري لباكستان نقطة ابتداء لهذه الرحلة فهو مقصود، لما اجتمع فيها من الخصائص المحقّقة للأغراض التي ذكرتها في بواعث الرحلة، ومن تلك الخصائص ميولها الإسلامية التي هي صفة ثابتة في الشعب، ومظهر مقصود للحكومة، أعلنت عنه وجاءت بشواهده، لإيمانها بفوائده، وكان هو السرّ في اتجاه المسلمين إليها، وقد أعددنا دراسة وافية في هذه النقطة لكتاب الرحلة، ومنها اتساع صدرها لأمثالي من علماء الإسلام ومفكّريه وكتّابه، ولإقامة المؤتمرات العامة للشؤون الإسلامية من جميع الشعوب الإسلامية، ومنها حسن استعدادها لتلقّي الإرشادات والنصائح والمعونة المعنوية من كل مرشد مخلص، ومنها احتضانها لقضايا الشعوب الإسلامية السياسية، ومنها أنها أصبحت محل عطف المسلمين لما اعترضها من مشاكل داخلية وخارجية من أول يوم من تكوينها، ومنها أنها رأس مال ضخم للإسلام بتاريخها واتساع رقعتها ووفرة سكانها، ومنها أنها لجدتها وغرابة انفصالها وكثرة المذاهب الدينية فيها لم تزل مجهولة عند كثير من المسلمين، ففي الاتصال بها تعريف لها وتعريف بها، وعلم يُعطى وعلم يُؤخذ، ولا أذكر هنا ما يلوكه بعض الناس من تطلعها لزعامة الأمم الإسلامية، فإنني لم ألمح هذا ولم ألمسه مع طول إقامتي وكثرة ملابساتي لمظانه، وباكستان أول من يعلم أن الزعامة نتيجة أعمال، لا مقدّمة أقوال.

...

وبعد الساعة الثامنة من صباح يوم الخميس العشرين من مارس قامت بنا من مطار فاروق بالقاهرة طائرة من طائرات شركة ك. ل. م. الهولاندية، فنزلت بنا في مطار بغداد بعد ثلاث ساعات وربع تقريبًا، واسترحنا في المطار ساعة ونصفًا تناولنا فيها طعام الغداء في مطعم الشركة، وكان الأستاذ سعيد رمضان أبرق من القاهرة في مساء اليوم السابق إلى الأستاذ محمد محمود الصواف ببغداد ليلقاني في المطار ويؤنسني في ساعة الاستراحة، ولكن البرقية لم تصله إلا بعد عصر ذلك اليوم، وأنا إذ ذاك في سماء الخليج الفارسي، وغفل الأستاذ الصواف عن موعد الطائرة فبشّر الأصدقاء وتداعوا للخروج إلى المطار، ولكنهم انتبهوا فخاطبوا المطار فأخبرهم بفوات الموعد، وقد كتب لي إلى كراتشي يتأسف ويتسخط على تأخر البرقية، ثم ركبنا إلى البصرة فوصلناها في ساعة وعشرين دقيقة، ونزلنا فاسترحنا ساعة

<<  <  ج: ص:  >  >>