للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونصفًا واستعدّت الطائرة للمرحلة الأخيرة الطويلة، ثم ركبنا بعد العصر والشمس في الأصيل، فقطعت بنا المسافة إلى كراتشي في خمس ساعات ونصف، ووصلناها على الساعة الواحدة بعد نصف الليل بتوقيت كراتشي، والفرق الزمني بينها وبين العراق ساعتان ونصف، كالفرق بينها وبين مصر، أما الفرق بين كراتشي والجزائر فهو أربع ساعات ونصف تقريبًا، فالزوال في كراتشي يوافق الساعة السابعة والنصف صباحًا في الجزائر، وطريق الطائرة من البصرة إلى كراتشي كله فوق الخليج الفارسي وبحر عُمان، ولكننا قطعناها في ليل مظلم.

...

وصلنا مطار كراتشي، وهو مطار عظيم واسع مستكمل لجميع المرافق والشروط، وقد أصبح ذا أهمية عظيمة في وصل الشرق بالغرب، وهو يبعد عن المدينة بنحو ثمانية عشر كيلومتر، ونزلنا فوجدت في انتظاري سماحة الأستاذ الأكبر الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين، والأستاذ عمر بهاء الدين بك الأميري وزير سوريا المفوّض بباكستان، وولدنا الأستاذ الفضيل الورتلاني، وإنعام الله خان، والدكتور الزبيري وجماعة من رجال مؤتمر العالم الإسلامي، وأنزلوني في فندق "ميتروبول" أعظم فنادق باكستان كلها، وكراتشي فقيرة في الفنادق، ليس فيها من فنادق الدرجة الأولى إلا اثنان، وبقية الفنادق من الدرجة الثالثة والرابعة عندنا، والسبب في ذلك أن عمرانها المدني جديد، وقد كانت قبل الانفصال ميناء تجاريًا، وما أخذت مكانتها الجديدة إلا بعد أن أصبحت عاصمة، وأصبحت في كراتشي يوم الجمعة الحادي والعشرين، فخف لزيارتي من لم يسعه استقبالي في المطار، ومنهم الدكتور عبد الوهاب عزام سفير مصر، والسيد عبد الحميد الخطيب، وزير المملكة العربية السعودية المفوّض، والأستاذ أبو بكر حليم مدير الجامعة ورئيس مؤتمر العالم الإسلامي، والأستاذ الأكبر الشيخ سليمان الندوي أحد أعلام العلماء في باكستان ورئيس مؤثمر العلماء، والأستاذ محمد محمود الزبيري وزير المعارف في حكومة الانقلاب اليمني وشاعر اليمن الفذّ، وهو أديب رقيق حواشي الطبع، سليم دواعي النفس، جيّاش الشاعرية لو وجد لها متنفّسًا، ولكن للشاعرية رحمًا يصلها الواصلون للأرحام، ولقد وجدت شاعرية الزبيري وصالًا للرحم، وهو الشاعر الوزير عمر بهاء الدين الأميري، فجمعت بينهما خلال كثيرة: كلاهما شاعر رقيق حساس، وكلاهما يعتمد في شعره على السليقة لا على الصنعة، وكلاهما مؤمن صادق متعبد متصل بالله من طريق المحافظة على الصلاة لأوقاتها، فجمعت بينهما كراتشي بعد أن جمعت بينهما تلك الخلال، وكان كل واحد منهما أنسًا وكمالًا لوجوده، وتطارحا الشعر فكان كل واحد منهما مذكيًا لقريحة صاحبه، وصدرت عنهما بدائع في الجد والهزل والمباسطات، وقد استحكمت صلتهما بي من أول لحظة، فأطلعاني على كل ما بينهما من هذا النوع الذي كان

<<  <  ج: ص:  >  >>