للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العالية، ونبغ فيها شعراء فحول، مثل حالي وغالب، وآخرهم إقبال، ولكن للفارسية أثر قوي في شاعرية هؤلاء الشعراء، فكلما سموا إلى الآفاق العلية لم يحلقوا إلا بأجنحة الفارسية.

وقواعدها التركيبية قريبة من قواعد الفارسية، ولكنها أصعب منها، وهي بعيدة جدًّا عن التركيب العربي، فتكثر فيها الروابط اللفظية مثل: هي، ومي، وكي، وكا، وكو، وتكتب بالخط الفارسي الجميل، ويزيدون على بعض الحروف علامات مخصوصة لتؤدّي المخارج القريبة الزائدة على المخارج العربية والفارسية، وهي مخارج صعبة في التقليد، وغالبها متوسط بين مخرجين، ولتعدّد هذه المخارج أصبحت حروفها نحو أربعين حرفًا، هي الحروف العربية المعروفة، ويزيدون على بعضها علامات.

وجاء الإنكليز وقضوا على الإمارات المغولية، وأصبحت لغتهم لغة الحكم والإدارة والتجارة، فدخلت منها- بحكم الضرورة- كلمات كثيرة في الأوردية، ومع أنها حديثة عهد فإنها تغلغلت وأصبحت من الأصول التي تعسر إزالتها، على خلاف المعهود في اللغات القوية إذا طرأ عليها دخيل ثم أرادت التخلّص منه، وأنا أرى أن لتهاون المتكلمين بالأوردية دخلًا عظيمًا في إقرار تلك الكلمات الإنكليزية وتمكينها. كما أن في لغتهم خميرة من القابلية لذلك، لأنها مبنية على التلفيق.

أصبحت الأوردية بعد هذه الأطوار لغة قومية، وطغت على كثير من اللغات الإقليمية، فأصبحت كلها ثانوية بالنسبة إليها، ولاعتزاز أهلها بها واعتقادهم أنها كافية في الدين والدنيا، لم يجدّوا في تعلّم العربية مع احترامهم لها وشهادتهم بأنها لغة الدين، فلا يتعلّمها إلا علماء الدين منهم، ويتعلّمونها على الكبر، فتجدهم يفهمون دقائق الحديث والفقه، ولكنهم لا يستطيعون التكلّم بها بسهولة، ولا يكتبون بها كتابة بليغة، فيجد الناقد آثارًا لعجمة بادية فيما يكتبون بها، ولم يسلم من هذا حتى كبار العلماء أمثال صديق حسن خان. ومن رأينا أن هذا آت من ضعف الملكة الأدبية الحاصلة من كتب الدراسة المشهورة بينهم، فهم يتعلّمون الأدب من المعلّقات السبع ومقامات الحريري، وليست هذه الكتب بالتي تمكّن للملكة العربية، ولقد قامت ندوة العلماء في هذه العصور الأخيرة بمجهود عظيم، وسلكت في تعليم العلوم العربية مسالك مثمرة، فتخرج منها جماعة يكتبون العربية كتابة فنية صحيحة، ومنهم صديقنا الشيخ مسعود عالم الندوي، ولقد كنا نقرأ قبله وقبل أقرانه للشيخ شبلي النعماني فكأننا نقرأ لكاتب عربي تام الملكة، فهذا دليل على أن القوم إنما قصّر بهم فساد طريقة التعليم. وسنتكلم عن طريقة التعليم العربي الموجودة الآن حين نصل إلى التعليم.

وانفصلت باكستان، فاضطرت الحكومة أن تبقي على الإنكليزية كلغة رسمية إلى حين، والحالة الآن مضطربة، ففريق يريد أن تكون الأوردية هي الرسمية، وسكان البنغال وهي

<<  <  ج: ص:  >  >>