باكستان الشرقية- وعددهم نحو خمسين مليونًا- لا يريدون هذا، لأن لغتهم البنغالية، والأوردية ليست شائعة بينهم، فالأولى في نظرهم أن تكون لغتهم هي الرسمية، فإنْ لم تكن فالعربية، لأنها لغة الإسلام الجامعة. وأهل البنجاب- وعددهم يزيد على خمسة عشر مليونًا- يريدون لغتهم، ولكنهم لا يمانعون في رسمية اللغة العربية للاعتبار الديني المذكور، ولإقليم السند لغته السندية وإن كانت ضيّقة، ولكنهم يحسنون الأوردية، وعاطفتهم الدينية لا تجعلهم يجافون اللغة العربية، وعلى الجملة فاللغة العربية تفوز بالأغلبية الساحقة لو رجع الأمر إلى الانتخاب، ولا يحاربها إلا طائفة قليلة يسخرها الإنكليز لحربها، لأنهم لا يريدون أن تكون للعربية سيادة تزيد في توثيق الأسباب بين باكستان وبين الأمم الإسلامية، ولا يفقه أحد سرّ هذا التقارب وآثاره مثل ما يفقهه الإنكليز.
والتحمس السائد للعربية في باكستان مبني على عاطفة دينية لا على واقع، أما الواقع الذي تحادثت في تصويره مع من تحادثت معهم من رجال الحكومة، ومن المفكرين المعنيين بهذه المسألة، فهو أن جعل اللغة العربية رسمية لأمّة يناهز عددها مائة مليون أمر متعسّر ما دام هذا العدد الضخم كله يجهل العربية، بل يجهل أن في لغته الأوردية قريبًا من خمسين بالمائة من الألفاظ العربية الفصيحة، فإذا عرضت عليه كلمة كلمة لم يعرف أن أصلها عربي، وإنما يعرف أنها أوردية وكفى ... وعلى هذا فالواجب أن يمهّد لهذه الفكرة بأمرين متلازمين: الأول جعل التعليم العربي في المدارس الابتدائية إجبارًّيا، والثاني تبديل الموجود من مناهج التعليم العربي بأصلح منه، واستخدام مئات أو ألوف من المعلّمين العرب حتى ينشأ على أيديهم جيل ينطق العربية بسهولة ويفهمها، ثم يتدرّج هذا الجيل إلى الكمال مع مراتب التعليم، فإذا وصل إلى الدرجة التي وصل إليها التعليم الإنكليزي في الكم والكيف حسن بل وجب أن تكون اللغة العربية رسمية في كل مرافق الدولة، وتجب المبادرة بهذا، لأن كل تأخّر له وتراخ فيه يكون في صالح الإنكليز ولغتهم، ويكون تطويلًا لمدة استعمارهم الفكري، والحكومة لا ترى للعدول عن الإنكليزية مبرّرًا إلى أن يستقر الرأي الإجماعي على اللغة الرسمية، وأنا أستحسن أن تكون اللغة الأوردية هي اللغة الرسمية في فترة الانتقال، تقريرًا للسيادة القومية وللاستقلال، إذ ما دامت اللغة الإنكليزية هي لغة الدواوين والتعليم والاقتصاد فإن الاستقلال ناقص على أهون الاعتبارات إن لم نقل إنّه صوري.
...
ونعود إلى العنوان، وهو مشكلة اللغة بالنسبة إليّ.
يجب على زائر باكستان، كيفما كان قصده، أن يكون ملمًّا- قدر حاجته- بواحدة من لغتين: الأوردية أو الإنكليزية، فإن كان جاهلًا بهما مثلي ضاعت مصالحه في الناس،