وسيلة التعاون، ثم بالتوحيد والاتحاد رائد القوة، ثم بالتوجيه السديد إلى الغاية المنشودة وهي العزة والسعادة.
إن المسلمين كثير، ولكن التفرّق صيّرهم قليلًا مستضعفين في الأرض، يشقون لإسعاد غيرهم، ويموتون في سبيل إحياء عدوّهم، وانها لخطة من الهوان يأباها أكثر الحيوانات العجماء، فكيف الخلائق العقلاء.
لو صدقت نسبة المسلمين إلى الإسلام، وأشربوا في قلوبهم معانيه السامية ومُثله العليا، واتّخذوا من كتابه ميزانًا، ومن لسانه العربي ترجمانًا، واتّجهوا إلى هذا الكتاب الخالد بأذهان نقية من أوضار المصطلحات، وعقول صافية لم تعلق بها أكدار الفلسفات، لسعدوا به كما أراد الله، ولأسعدوا به البشر كما أمر الله، ولأصبح كل مسلم بالخير والصلاح سفيرًا، ولكان المسلمون في أرض الله أعزّ نفرًا وأكثر نفيرًا، ولكان التقاء المسلم بالمسلم كالتقاء السالب بالموجب في صناعة الكهرباء ينتج النور والحرارة والقوة.
أيها المستمعون الكرام:
أنا في رحلة استطلاعية إلى الأقطار الإسلامية، وقد مررت بمصر وأنا على نية العودة إليها إن شاء الله.
والغرض الأول الأهم من هذه الرحلة هو دراسة أحوال المسلمين في مواطنهم، والتعرّف إلى قادة الرأي فيهم بالعلم والحكم، والامتزاج بمجتمعاتهم، حتى أتبيّن الحقائق مشاهدة وعيانًا، لأن الأخبار التي تصلنا عن إخواننا النائين عنا تصلنا غامضة مختصرة، أو مطوّلة مستفيضة، وكلا الطريقين مشوه للحقيقة، مصوّر لها بغير صورتها، خصوصًا في هذا الزمان الذي أصبحت الأخبار فيه سلعًا تُباع وتُشترى على أيدي سماسرة يعوجون المستقيم، ويروّجون للسقيم، تبعًا لأغراض ليس شيء منها في مصلحتنا.
والغرض الثاني من هذه الرحلة هو التعاون بجهد المقل مع أولئك القادة في شخيص أمراض المسلمين المشتركة، والبحث عن وسائل علاجها، ورد الآراء المتفرقة فيها إلى رأي جميع وكلمة سواء، حتى يكون العلاج أسهل وأقرب نفعًا، ثم تمكين أسباب التعارف بين قادة المسلمين، وإن أشبه هؤلاء القادة لي، وأقربهم مسافة فكر مني هم علماء الدين الإسلامي، فهم محل الرجاء في إصلاح أحوال المسلمين إذا صلحوا، وهم أنفذ أثرًا في هدايتهم وإرجاعهم إلى هدي محمد وأصحابه وإلى التخلّق بأخلاقهم المتينة التي سعد المسلمون بالتخلّق بها قديمًا، وشقوا بالتخلّي عنها حديثًا، حتى وصلوا إلى هذه الدركة التي لا يحمدون عليها ولا يحسدون، وما دخل عليهم الشر إلا من هذه الثغر الأخلاقية التي فتحها التحلّل من القيود، ووسعها الاسترسال في شهوات العقول والجوارح.